قرميد وعيون
د. جان توما
ترتفع العيون على القرميد كفوهة قنينة مرميّة من دون أن تلفت نظر أحد. يبدو القرميد فرحًا بعيونه أو بعين واحدة، فهو لا يبصر، بل يتبصّر رفوف العصافير الباحثة عن مأوى، أو عن جبين يلتقط عنه حبيبات الفرح.
ترتاح أعين القرميد كارتياح شراع مبحر في هدأة بحر وسكون أفق. يسأل عن أهل الدار. يطلعون صيفًا، إن عادوا من غريتهم. كم كرج الثلج في فصل الشتاء، على اللون الأحمر، وتساقط كما تتساقط أوراق روزنامة العمر فاستحال ماءً سرى في رحم الأرض يولد ينابيع، انبجست من صخر أصمّ فثرثرت خريرًا في ساقية أو نهر.
ما للقرميد ينطق بلغة العيون، ويرسم بنوافذه الصغيرة تلاوين الفجر والمساء؟ كأنّ هاتيك الأعين المنمنمة كالمشربيّات تلقي الألفة وتشعّ أمانًا للأجنحة الطريّة، ترقبها، تهتم بها، تفتح مدارج قرميدها لتحطّ أمنة مطمئنة قبل متابعة الهجرة إلى بلاد الدفء.
هنا، على هذه السطوح تأرجح العمر، بعض سنيه راح إلى غربة، وبعض مضى إلى خريفه، وبعض بقي هنا يتأمل نفور شرايين يديه، وكم دكّت الأعوام كتفيه ولكنه ما زال يحلم بكرز أيار، وعنب آب ، وتين أوائل أيلول، فيما أعين القرميد ما زالت تستذكر آلاف حقائب السفر، وشهقات الوداع ، وترجو أن لا تغلق عيونها قبل عودة من لعبوا صغارًا في الدروب العتيقة.