عن أمل يرفعنا كزورق نجاة

Views: 7

سليمان بختي

هذا الظلام المطبق من يزيحه عنا؟ كل هذا الظلام ليقولوا لنا  إن عمرنا ضاع في الأوهام بلا معنى أو نسي التاريخ ذكره. أنظر إلى قلب الظلام وأتيقن من أن الظلم يأتي قبل الظلام، وأعرف أنه يبتلع كل شيء، كل الجهات والحروب، ويبتلع الوطن. كيف نرفع يا بيروت عن وجهك كل هذا الليل الأليل؟ كيف لمدينة جمعت الروح الشرقية وجوهر المتوسط تستجدي شريط إنارة وتنكة مازوت؟ كيف نرفع الحقيقة في وجه السلطة؟ وماذا بعد الظلمة؟ التجويع، الإذلال، التعذيب، القهر. شقاء العيش لحامل الصليب. ماذا بعد جهنم وبحسب منطوق العبارة “جهنم … وبئس المصير”. 

لو أن اللبنانيين قدروا حقا حجم التضحيات التي بذلوها ليستحقوا لبنان لاستحقوه ألف مرة ومليون مرة. ولكنها تضحيات تحمّل وليست تضحيات تغيير. تحمل قدر وألم المصيبة  ووطأتها وليس تغيير قدر وصناعة مصير. اليوم، الخوف عميم. الخوف من الغد، من الأمس، من اليوم، من الآخر، من أي نأمة، ونمشي. (https://www.almostthererescue.org/) نسير. مثل جسد بلا رأس. كيف حال الوطن؟ كيف لهذا الحال أن يزول ونحن نغوص فيه كالطمي المدمى؟ كيف ننتقل من صورة الضحية إلى صورة البطل إلى صورة العادي؟ 

كان المتنبي يراهن في زوال الحال على غمضة العين وانتباهها وقدرة القادر. يا ليت. وماذا عن الذين خذلوا أو غابوا أو غادروا؟ أو الذين وقفوا على الشرفات وعلى الشبابيك وعلى الهضاب والتلال ولوحوا بالمناديل وكان لهم من حب هذه التلال في فؤاد القلب أشطار. أذكر هذا البيت الشعري وأنسى قائله: ” لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها/ ولكن أخلاق الرجال تضيق”. في مسرحية ” ناطورة المفاتيح” (1972) تصرخ فيروز “عوض ما يروح الملك راح الشعب…وشو نفع البيوت بلا ناس”.

ولكني أرى الناس مثل السيل يندفعون في كل إتجاه وتقفل السبل أمامهم. ولكني أرى في لحظة أو انتباهة عين كمن يجد ثغرة ويكسر الدائرة. ويتدفق أول النور الذي يقودنا إلى بلدنا إلى أرضنا، إلى حقنا في الحياة كما نريدها، إلى عالمنا الذي تركناه خلفنا يذرف دمعا وينتظرنا علنا نعود وتعود إلينا دنيانا. عن مثل هذا الأمل أبحث. أمل يرفعنا إلى الحياة كزورق نجاة. 

***

(*) الصورة الرئيسية: خلفية صورة الكاتب سليمان بختي تفصيل” من لوحة «بيروت» للرسامة نجلاء حبيش

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *