مِنْ أَجْلِ حَفيدي… قصة قصيرة

Views: 93

ديانا جورج حنّون 

بَعْدَ أَنِ انْتَهَتْ “فَدوى” مِنْ تَنْظِيفِ شِقّةِ “أَمِّ رَائدٍ”، قَبضَتْ يَوميّتَها، وَأَمسَكَتْ يَدَ صَغيرِها، ابْنَ الثّلاثِ سَنَوَاتٍ، وغادرَتِ البَيتَ، وَدَخَلَتْ دُكّانَ الحَيِّ الَّذي تَسْكُنُ فِيهِ.

– مَساءُ الخَيرِ، “أَبا خَليلٍ”.

*مَساءُ الخَيرِ، “أُمَّ سَامرٍ”. اللهُ يُعطيكِ الْعَافِيَةَ. الصَّغيرُ مَعَكِ؟

– لا يُمْكِنُنِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعْ وَالدِهِ.

 *َكيفَ أَصْبَحَ “أَبو سَامرٍ”؟

– إِنَّهُ يَتَحَسّنُ، الْحَمدُ لله. يَومانِ، وَيَفكُّ الْجِبْسَ عَنْ سَاقِهِ، وَيَعودُ إِلى العَملِ.

* الْحَمدُ لله.

– هَذهِ قَائِمَةُ الأَغراضِ الَّتي أَنْوي شِراءَها.

 *حَالاً.

 

مِنْ دُونِ تَلكّؤٍ، حَضّرَ الأَغراضَ، وَوَضَعَها في أَكيَاسٍ مِنَ النّايلونِ على الطّاولَةِ أَمَامَها.

– كَمْ سَأَدْفَعُ؟

*مائتا أَلفِ ليرَةٍ .

أَخْرَجَتْ مائةَ أَلفٍ مِنْ حَقيبتِها، وأَعْطَتْها إِلى “أَبي خَليلٍ”، وَقَالَتْ:

– سَجّلِ الْبَاقيَ في الدّفْتَرِ. 

وَحَمَلَتْ أَكياسَ مُشْتَرَيَاتِها بيدٍ، وَأَمْسكَتْ بالأخْرى يَدَ صَغيرِها. 

وَهيَ تَهمُّ بِالمُغادَرَةِ، تَوَقّفَتْ سَيّارةٌ أَمَامَ الدّكَّانِ، وَتَرَجّلَ مِنْها رَجُلٌ سَبْعِينيٌّ أَنيقُ الهِندامِ، وَمَرَّ بِمُحَاذاةِ “فَدوى” وَابْنِها، لَحْظَةَ قَالَ لَها “أَبو خَليلٍ”، وَالدّفتَرُ مَفتوحٌ أَمَامَهُ:

*أَصْبَحَ الدّينُ كَبيراً، يا “أُمَّ سَامرٍ”.

 ثُمَّ التَفَتَ إِلى الرّجُلِ، رَحّبَ بِهِ، وَقَالَ:

*بِمَ أَخدمُكَ؟

– مِنْ فَضْلِكَ، أُرِيدُ قِنّينَةً مِنَ الماءِ. وَدَفَعَ ثَمَنَها.

*بَارِدَةٌ؟

– لا، عَاديَّةٌ.

*حَالاً.

وَهوَ يَنْتَظِرُ، رَافَقَ بِنَظَرِهِ ذَاكَ الصَّغيرَ الَّذي لا يُفْلِتُ يَدَ أُمِّهِ. ذَكّرَهُ بِحَفيدِهِ “سامي” الَّذي يُقَارِبُهُ عَمْراً، وَهوَ وَحيدُ والدَيهِ، مُمَدّدٌ على سَريرٍ في الْمُستشفى، في العِنايَةِ المُرَكّزَةِ، فَسَأَلَ:

– كَمْ يَبْلُغُ دَينَ تِلكَ العَائلةِ؟

*أَرْبَعُ مائةِ أَلفِ ليرَةٍ.

– سَأَدْفَعُهُ كَامِلاً. وَمَدَّ يَدَهُ إِلى جَيْبِ سُترتِهِ، وَأَخْرَجَ مِنْها محْفَظَتَهُ الجِلديّةَ، وَأَخَذَ مِنْها المالَ، وَوَضَعَهُ عَلى الطّاولةِ.

*لِمَ تَفْعَلُ هَذا وَأَنتَ لا تَمُتُّ إلى تِلكَ العَائلةِ بِقَرَابَةٍ؟ سَأَلَهُ مُتَعَجّباً.

– مِنْ أَجْلِ حَفيدي المَريضِ، ذَاكَ الصّغيرُ الخَائِفُ، وَالْمُتَمَسّكُ بِيَدِ أُمِّهِ، ذَكّرَني بِهِ.

*اللهُ يَشفيهِ وَيُعَافيهِ. قَالَ “أَبو خَليلٍ”.

– شُكراً، وَاشْطبِ اسمَ الْعَائلَةِ مِنَ الدّفْتَرِ .

 

*”تِكْرَم”. قَالَ “أبو خَليلٍ”، وَقَامَ بِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ. إِطْمَأَنَّ الرّجُلُ، وَأَخَذَ قِنِينَةَ الْمَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الدّكَّانِ.

وَهوَ يَقْتَرِبُ مِنْ سَيّارَتِهِ، رنَّ هَاتِفُهُ المَحمولُ.

– آلو…

*أَبي، حَفيدُكَ اسْتَفَاقَ، وَيُريدُ أَنْ يَرَاكَ. تَعالَ بِسُرعَةٍ.

– آتٍ… 

وَأَقْفَلَ هَاتِفَهُ، وَدَسَّهُ في جَيبِهِ، وَالتَفَتَ إِلى “أَبِي خَليلٍ”، وَهَتَفَ:

– العِنَايَةُ الإِلَهيّةُ أَنْقَذَتْ حَفيدي. وَصَعدَ إِلى السّيَّارةِ، وَانْطَلَقَ بِها، وَهوَ يَشْكُرُ المَولى على سَلامةِ حَفيدِهِ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *