أنا الباب

Views: 73

د. جان توما

أنا البابُ المنسيُّ. خانتني أياديّ الناس. لم تعد تطرق بنبضات متلاحقة أو ايقاعيّة لأفتح لها درفة عبور. لو جاءت اللمسة من جديد لشرّعت لها الدرفتين، ونزعت قفل قيدي، وحرّرت مفاصلي الصدئة وسمحت للهواء أن يشعل رئتَيّ ويلاعبهما روحة وجيئة.

أنا الباب، اشتقت لعجقة الاولاد وصخبهم وصراخهم. على عتبتي كانوا يلهون يحفرون الاحرف الأولى من أسمائهم، وعلى خشبي يدوّنون أحلامهم، وكنت المغناج المدغدغ فأفرح وأضحك، ولم أضجر إلّا لما غادر الأطفال الحارة، وما عدت أسمع ضوضاءهم، أودعوا وجوههم شاشات مضيئة، فغزت الوحدة مصطبتي، ودخلت عالم النسيان.

كانوا هنا، وكان نهارهم طويلًا في اللعب والركض والجري و”الشحبرة” على الحيطان. كيف سقطت كلّ هذه الحكايات من كتاب العمر، وكيف لم تذكرها شهرزاد في رواياتها؟ ولماذا  سكتت عن الكلام المباح؟ تهالك خشبي في غياب أصحابي، صاروا يلصقون بي قطعًا مستعارة، فقدت نطقي وعفويتي، بدأت قناطري تنهار حجرًا بعد حجر، كتساقط الكلمات من فم عجوز.

لم أعد بابّا، صرت خشب موقدة الذكريات، كلّما دبَّ الشوق فيَّ إلى صغار الحيّ، أشعلتُ شيئًا منّي، فأرى ابتساماتهم تلوّح لي مع تراقص لهيب النار، فيحرقني الحنين، وبه أعاود الحياة، ومن دون زيزقتي لن أحسّ بأني عدت بابا للإنسان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *