55 عامًا على رحيل الأخطل الصغير ولم يزل للقوافي أميرًا 

Views: 487

سليمان بختي 

مضى على رحيله 55 عاما ولم يزل للقوافي اميرًا.

انه الامير الوحيد المستحق اللقب في هذه البلاد وتوّجه بالشعر والجمال والرفعة والحق.

هو بشارة  عبدالله الخوري ( الاخطل الصغير).

شاعر “ارق الحسن ما سمحا”. وفي شعره دائما دهشة الجمال واناقته ورقته.

اسمعه يقول:” ما الحسن لولا الشعر الا زهرة/ يلهو بها في  لحظتين  النظر/ لكنها ان ادركتها رقة/ من شاعر او دمعة تنحدر/ سالت دماء الخلد في اوراقها/ ونام تحت قدميها القمر”.

وكم قصيدة له نام تحت قدميها القمر.

هذا الشاعر الرقيق كان شجاعا وجريئا وصلب  العريكة وملتزما بالدفاع عن وطنه وعروبته وعن فلسطين التي كتب فيها: “فلسطين، و”قم نقبل ثغر الجهاد” و”وردة من دمنا”.

 

مارس الصحافة واسس جريدة “البرق” 1908 وكان مناهضا للظلم. ومع انه دافع عن العثمانيين مع صدور دستور عبد الحميد 1908 الا ان ظنه قد خاب ولم ينل لبنان استقلاله كما توقع. ومع ارتفاع نبرته ضد العثمانيين لوحق وحكم بالاعدام.

التحق بشارة الخوري بجمعية سرية اسمها ” ارز لبنان” وكان رئيسها سليم المعوشي. انكشف امرهم في زمن اعدامات جمال باشا السفاح لكنه استطاع الافلات والهرب الى ريفون. وتابع نضاله في زمن الانتداب الذي عمدت سلطاته الى تعطيل جريدته حتى استطاعت اقفالها نهائيا.

كان الاخطل الصغير الشاعر الاكثر تمثيلا لشعراء لبنان في دنيا العرب. مثل لبنان في تأبين الملك فيصل في بغداد. وفي تأبين الزهاوي وفي رثاء سعد زغلول في مصر والقى قصيدته  الشهيرة في رثاء احمد شوقي ويقول في مطلعها:” قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره/ فسدرة المنتهى ادنى منابره/ سألتنيه رثاء  خذه من كبدي/ لا يؤخذ الشيء الا من مصادره”. وفي الفية المتنبي القى قصيدة في دمشق وحلب وفي ابي العلاء المعري قال:” رب شاك فقد العيون ولا/ ينفك يهدي العيون للمبصرين”. وكانت له علاقة طيبة مع الشام وقال في احدى قصائده :” سل عن قديم هواي هذا الوادي/ هل كان يخفق فيها غير فؤادي/ قالوا تحب الشام قلت/ جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي”. 

ولكن الاخطل الصغير اذا طاب الهوى غنى وكان نسيما غضا عليلا. وهذا ما جعل المطربين والملحنين يتهافتون على شعره وفي طليعتهم محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش واسمهان وفيروز ووديع الصافي ونور الهدى.

عبد الوهاب والأخطل الصغير

 

جاءت قصائده ايقاعية موسيقية ونغمها واضح. وهذا ما دفع عبد الوهاب الى القول:” كانت قصائده تاتي ملحنة خالص”.

غنى له عبد الوهاب “الهوى والشباب” واصابت شهرة ويروي الاخطل ان القصيدة كانت من اربعة ابيات وشجعه عبد الوهاب على اضافة بعض الابيات، وهكذا كان.

” الهوى والشباب والامل المنشود/ ضاعت جميعها من يديا/ يشرب الكاس ذو  الحجى  ويبقي  / للغد في قرارة الكأس شيا  / لم يكن لي غد فافرغت كأسي / ثم حطمتها على شفتيا”.

وغنى ولحن له “الصبا والجمال” و”جفنه علم الغزل” وفي تتويج الملك فاروق ” انزلت اية الهدى في جبينك”.

وهناك اغنية بالعامية  المصرية والفصحى اسمها ” يا ورد مين يشتريك” ويقول الاخطل مبررا:” سامح الله محمد عبد الوهاب فقد اجبرني ان اصبح زجالا مصريا، فقد كتبت له بناء على طلبه ” يا ورد مين يشتريك” وصارت القصيدة مزيجا من الفصحى والعامية المصرية”.

 

غنت له اسمهان: ” اسقنيها بابي انت وامي/ لا لتجلو الهم عني انت همي وفيها تلك العبارة الجريئة قم نهنه شفتينا”.

وغنى له فريد الاطرش “اضنتيني بالهجر” وهي بالاصيل “انحلتني” ولكن عبدالله  الاخطل غيرها لملاءمة التلحين.

وايضا “عش  انت” وفي القصيدة بيتين رائعين :” ما قلب امك ان تفارقها/ ولم تبلغ اشدك/ فهوت عليك بصدرها لتستردك/ باشد من خفقان قلبي / يوم قيل خفرت عهدك”. و”وردة من دمنا”.

وغنت له نور الهدى :” نم ان قلبي فوق مهدك/ كلما ذكر الهوى صلى عليك وسلما”. 

مع فيروز وعائلة الرحباني ارتبط اسمه بنسب فقد تزوج ابنه عبدالله الاخطل من سلوى ( شقيقة عاصي ومنصور) وغنت من شعره فيروز: ” يبكي ويضحك” و”يا عاقد الحاجبين” و” بيروت هل ذرفت عيونك دمعة”. و”وداد يا قطعة من كبدي/ فداك يومي وغدي”. و”يا نسيم الدجى” و”سيد الهوى قمري”، وغيرها.

كلهم نهلوا منه ولسان حاله يقول ” اانا العاشق الوحيد لتلقى/ تبعات الهوى على كتفيا”.

فريد الأطرش يصافح الأخطل الصغير

 

وظل الاخطل واقفا بين القصيدة والاغنية وبين الحب والحق والوطن:” انا في شمال الحب قلب خافق/ وعلى يمين الحق طير شاد/ غنيت للشرق الجريح وفي يدي/ ما في سماء الشرق من امجاد/” وكم نحن يا اخطل جرحى الحب والحق والشرق المدمر.

اما ليلته الاثيرة فكانت في 4 حزيران 1961 يوم بويع الاخطل الصغير اميرا للشعراء خلفا لاحمد شوقي في مهرجان ضخم اقيم في قصر الاونيسكو في بيروت والقى قصيدة مطلعها :” ايوم اصبحت لا شمسي ولا قمري/ من ذا يغني على عود بلا وتر / ما للقوافي اذا جاذبتها نفرت/ رعت شبابي وخانتني على كبر”. 

وكيف كانت علاقته مع شعراء عصره؟ يجيب:” تركتهم في جحيم من وساوسهم/ ورحت اسحب اذيالي على السحب”.

ولما تحاملوا عليه في “عصبة العشرة” في “المكشوف ” وكتب الياس ابي شبكة :” صحيح انك صغير لكنك لست الاخطل “. فرد الاخطل:” ابا شبيكة والايام مهزلة/ ماذا! احقا تقول الشعر ام كذبا”.

 

اتهم الاخطل بانه اقتبس من بعض القصائد الفرنسية وانه كان متأثرا بشعراء فرنسيين مثل بوردون وموريس ماترلين وفيكتور هيغو”. لم ترقه هذه المسألة ولم يعطها اكثر من خبرها.

كتب متغزلا في المرأة وقال:” عشت فالعب بشعرها يا نسيم/ واضحكي في خدودها يا كروم”. وعندما سمع نزار قباني هذا البيت قال:” انا االتلميذ الاول والاوحد للاخطل الصغير”.

احب الاخطل اللغة العربية حبا جما وروى لنا ابنه جوزف على المنبر انه كلما كان يحفظ قصيدة من عيون الشعر العربي كان والده ينقده ليرة  كاملة.

كتب الاخطل القصة الشعرية مثل ” المسلول” و”سلمى الكورانية” وابدع فيها. ولكن بقي قلبه على لبنان واسمعه يقول الابيات وكانها كتبها اليوم:” يا امة غدت الذئاب تسوسها/ غرقت سفينتها فاين رئيسها / غرقت فليس هناك غير حطائم/ / يبكي   مؤبنها  ويضحك سوسها/ تتمزع الشهوات في حرماتها/ وتعبث في عظماتها وتدولها”.

الأخطل الصغير في أواخر أيامه

 

او تلك الابيات وكانه يعيش معنا اليوم وليس بينه وبيننا حجاب:” لبنان ما لفراخ النسر جائعة/ والارض ارضك اعلاها وادناها/ اللغريب اختيال في مسارحها/ وللقريب انزواء في زواياها/ لا لم اجد لك في البلدان من شبه/ ولا تناسك بين الناس اشباها/ لو  مس غيرك هذا الذل من اسد/ لعض جبهته سيف وحناها”. 

لبث الاخطل الصغير اميرا بشعره وجهاده وحافظا لاقانيم ثلاثة فيه بحسب احسان عباس ” الشعور بألم الانسانية والشعور بلبنان والشعور بالعروبة”.

وقال الشاعر شوقي ابي شقرا “الاخطل صاحب فضل وصاحب حيلة وملعنة وذكاء عاطفي كبير”.

مد الاخطل الصغير في الشعر بساطه الاخضر وغنى وبارق من الرقة – وكما قال انطوان قازان – بل سفح قوارير الطيب على مشارفه ومن ابياته النوافذ على النفس والفن والحياة. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *