أمثلة شعبية للميلاد والغطاس

Views: 1765

د. جان توما

في مثل هذه الأيام الميلادية تكرّ عند العامة أمثلة شعبية مستقاة من واقع حال الطقس الذي لا يقصّر في التقلّب بين الكانونين.خصوصًا وأن أهل البحر يعرفون ،وفق تقلّبات الموج والريح، كيف يكون الطقس في اليوم التالي.لذا جاء المثل “الميلادي” القائل: “بين الغطاس والميلادي، إياك تسافر يا غادي”. طبعًا لا يخفى على اللبيب تركيب هذا المثل والموازنة في الإيقاع بين”الميلادي”و”الغادي” ليستقيم المثل ويصير سائرا بين العموم وعبر الأيام، فالميلاد يسبق الغطاس وليس العكس،ولكن يحقّ للقوّال ما لا يحقّ لغيره. فالسفر ،عند العامة، بين هذين العيدين غير مستحب،خصوصًا إذا أعدنا المثل إلى “أيامه”،حيث كان السفر البحري هو الوسيلة الوحيدة الممكنة، ما يعني أن حال البحر في هذه الآونة الميلادية متقلّب وغير مستقرّ.

  أما المثل الثاني،والذي يشبه المثل الأول في مضمونه ولكنه يصحّح وقوعات العيدين،يقول:  ” من المولود للمعمود بتوقف المي عمود” ،وهذا المثل يُضرب في شدّة البرد بين هذين العيدين،فيتحوّل الماء إلى جليد.وقد ذهبت أقوال العامة إلى تحديد فعلي لواقع الطقس،عبر التجربة، فرأت انه بين عيدي الميلاد والغطاس يشتدّ البرد والصقيع،فيحترس الناس من لفحات الهواء ويحاولون قدر الإمكان،وخاصة في القرى الجبلية، البقاء في البيت وعدم مغادرته تحسبًا لتغيّر الطقس وشدّة القرّ.

لذلك يأتي المثل الثالث تعبيرًا واضحًا عن خوف العامة من التنقّل،يومها،حفاظًا على عدم الوقوع في المجازفة والمخاطرة. إذ يقول المثل: “بين المولد والمَقْدِّس عند جارك لا تْقَرفِص،وإن قَرْفَصت لا تْبات،بتصبح عليك الثلج قامات”.و”تبات”تعني “تبيت” و”قامات” أي مرتفعة بمقدار عدّة قامات وهي جمع قامة أي طول الإنسان.وهذا المثل يُضرب لدلالة مُناخية، بمعنى أن الأمطار الغزيرة والثلوج تتكاثر بين هذين العيدين،فانتبه إلى عدم “القرفصة”أي البقاء طويلا عند الجار،كي لا تنقطع الطرق من كثرة الثلج.

ولعيد الغطاس سلسلة من التقاليد الشعبية الراسخة،ومنها أنّ السيد المسيح يمرّ على المنازل عند منتصف الليل، فيبارك الأسر التي تكون في انتظاره،أي ساهرة حتّى منتصف الليل،أما العيال التي تنام فلا تنال البركة. ومن المعتقدات أيضًا أن الأشجار عامة تركع للمسيح عند مروره،ما عدا شجرة التوت المتكبّرة،والبعض يقول شجرة التين الملعونة، لذلك يأخذون من جذوعها شظايا يجعلونـها طعما لمواقدهم تلك الليلة،عقابًا لها على كبريائها.من هنا جاء المثل الشعبي”ليلة الغطاس المسيح بيمرق ع كلّ البيوت وبيقول دايم دايم،وكلّ الشجر بيركع ما عدا التوت”.

هذا في القرى، أما في المدن الساحلية ، فإن تقليدًا ما زال ساريا وخصوصًا عند العجائز ،وهو أنـهم يعمدون عند منتصف ليل الغطاس إلى ملء وعاء من ماء البحر،يغسلون به أعينهم إعتقادا منهم أن ماء البحر يحلو في منتصف هذه الليلة المباركة وترى بعض المؤمنين،إلى اليوم، يطوفون عند ساحل البحر ليلا ليتباركوا من خيرات هذه الليلة المقدسة.

ويذكر كثيرون سلسلة من العادات والتقاليد الشعبية التي كانت تغزو بيوت المحتفلين بليلة الغطاس منها مثلاً: وضع قطع نقديّة فضيّة على حافة النوافذ أو على الشرفات ليتبارك البيت وتزداد نعمه وخيراته،وهي عادة تجد مثيلتها في القرى حيث يترك الناس، في ليلة الغطاس المقدسة، أغطية سلال المؤن مفتوحة ليبارك الله تعالى مؤونة البيت ويكثّرها. كما يعمد المحتفلّون إلى إبقاء أنوار البيت مشعّة طيلة الليلة من أجل” بقرة السعد” التي تعطي البيت خيرات لم تكن متوقّعة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *