شارع الحمرا أبعد من ظلاله
سليمان بختي
كل يوم يترك شارع الحمرا ظلا من ظلاله على الرصيف ويمضي.
هذا الشارع الذي تؤدي كل مفارقه الى البحر يكاد يظمأ شوقا الى رواده.
كيف نعيده الى حيواته السابقة الى بهاء ألوانه الى الرقة المتاتية من الحضارة؟
برأي الشاعر بول شاوول وهو نزيل الشارع منذ عقود ويعتبره عاصمة بيروت،”من سيعيد الشارع الى بهائه هن الصبايا الحسناوات حين تأخذهن الخطوة الغضة بثيابهن الانيقة الى إثر الغواية”.
ولكن لا تزال العصافير فوق الاشجار تهبط بسلام وتلتقط كسرة الخبز وتعود الى أغصانها لتتابع سيرة الغناء.
لم يعد المثقفون والشعراء بعد الى واجهة الشارع فقد انسحبوا الى خطوط الدفاع الثانية الى الزواريب الداخلية القريبة هربا من وحش الغلاء او اي وحش اخر.
تمشي وتتذكر زمان هذا الشارع الجميل الذي دشن الحداثة في بيروت اوائل الستينات.
يروي الناقد المصري غالي شكري انه حين انضم إلى أسرة جريدة السفير احب ان يستكشف الشارع فنزل من مبنى السفير الى مقهى الهورس شو ورآه محتشدا بأسماء ووجوه من الصعب أن تراها في مكان واحد في العالم العربي.
ثم مشى باتجاه سينما الكوليزيه وكانت تعرض فيلما لانغريد برغمان لحفلة بعد الظهر فرأى صفا طويلا من الصبايا والشباب يقفون للحصول على تذكرة الدخول. قال:” أدركت حينها أن بيروت ليست عاصمة للثقافة العربية وحسب كما قال طه حسين بل ذروة حداثة المدن العربية”.
هذا الشارع كان نوعا من هايدبارك لبنان، ففيه وعلى طاولات مقهى الهورس شو اكملت الفنانة نضال الاشقر مسرحية “مجدلون” التي منعت عرضها السلطات اللبنانية.
وفيه تحطمت إحدى صالات السينما لانها عرضت فيلما يؤيد أميركا في حربها على فيتنام.
ومنه انطلقت التظاهرات الشبابية الطيارة ضد كل شيء.
وفيه رأينا الجرايد والمجلات تأكل زوايا الرصيف واليوم باتت الصحف والمجلات الصادرة في بيروت لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
وفيه ايضا رأينا صناع الثقافة والفنون في لبنان ودنيا العرب والعالم.
في هذا الشارع تمنت الفنانة العالمية داليدا ان تمشي فيه حافية القدمين.
نتأمله اليوم وتسأل نفسك: ” اينهم؟ وهل انا الغريب؟”
ولكنني كلما رأيت بول شاوول يكتب في المقهى وعلي حرب يقرأ في كتاب وزياد رحباني يمشي على رسله استعيد الامل واقول ان الشارع بخير وان المكان يضيء بأهله ويشهد للتنوع الجميل.
***
*الصورة الرئيسية: مقهى الهورس شو بريشة الفنان التشكيلي أمين الباشا
