سجلوا عندكم

جان داية يرحل وسرّه في النهضة

Views: 121

سليمان بختي

في هذه اللحظة المفارقة نرفع التحية ونلوح مودعين للباحث النهضوي جان داية الذي احترف نبش الكنوز والبحث عن الدرر مهما كانت الصعوبات والعوائق.

رأيته في مكتبة يافت في الجامعة الأميركية في بيروت يتصبب عرقا بحثا عن معلومة أو تصويبا لخبر.

يذهب إلى دمشق وحلب والقاهرة ولندن وباريس ومكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة بحثا عن مخطوطة ضائعة او مقالة منسية لأحد رواد النهضة.

قدم جان داية نموذجا فذا ومثالا فعالا في كيفية التعامل مع تراث رواد النهضة وتراث الكبير سعيد تقي الدين.

لم يمسه تعب ولم يتأخر او يتردد لحظة. كان ما يدفعه نداء خفي للغوص أعمق وابعد. 

بين صورة الكلمة وصورة الحياة وقف جان داية ساعيا لاجل النهضة بهذا التراث الذي نفاخر به كل يوم.

وبهمة جان داية رأينا كتبا كان ممكنا أن تغيب الى الابد. واذكر منها على سبيل المثال: “عقيدة جبران”. “كشكول الخواطر” لامين الريحاني . مسرحية “المليون الضائع”  لسعيد تقي الدين” رحلات ونصوص” لجرجي زيدان .”خليل حاوي والشعر الطليق” وغيرها.

 

ارتبط جان داية ارتبتطا وثيقا بتراث الكبير سعيد تقي الدين وفي رصيده 26 كتابًا 13منها انجزها سعيد في حياته و 13 اصدرها جان داية . وهناك كتاب جديد لتقي الدين كان داية يستعد  لاصداره قبل تعرضه للوعكة الصحية وهو بعنوان “الاسماء المستعارة”.

  كنت اقرا اخر الرسائل  التي كتبها جان داية على مدونته فراأت انه كتب في 17 كانون الاول  2022 مقالة بعنوان” الشمدصة ” و”الزحفطة” و”الصرعزة” ويذكر فيها داية هذه المصطلحات التي نحتها سعيد تقي الدين  شارحا معانيها وظروفها وشروطها. وهذا يدل ان سعيد تقي الدين كان يعيش في ضمير داية وذاكرته وان داية كان مسكونا بسعيد تقي الدين.

هناك كتاب اصدره داية على غاية من الاهمية وهو “لكم جبرانكم ولي جبراني” وفيه كشف مهم عن التزوير اللاحق باوراق جبران الرسمية وعلى ايدي أكاديميين  معروفين وطرح داية السؤال الكبير حول مستقبل البحث العلمي في بلادنا.

اقترب جان داية من رواد النهضة بروح حامل النار اي حامل المعرفة الواعية والنزاهة الفكرية والأخلاقية والالتزام بقضايا المجتمع وبذل المستحيل لتقدمه وإصلاحه. امن داية بالنهضة كرافعة للحياة والأفكار والقيم في بلادنا. اي شغف استبد به ليولد في داخله  باحث من طراز نادر وخاص ؟ما سر جان داية وكيف عمل على هديه؟

 كتب غير مرة: “يجب على كل من عمل ويعمل في نبش التراث ان يكون متواضعا فيعترف بحقيقتين :أولاهما ان المهمة الجديدة التي يقوم بها سبقه إليها آخرون  واستفاد هو من سابقيه. والثانية ان النتيجة  التي يصل إليها لن تكون الخاتمة فقد تظهر في المستقبل مخطوطات ومقالات غير معروفة ويعاد طبعها في كتاب جديد يكمل ما سبقه.

ناضل جان داية في صفوف النهضة منذ العام 1959 وعانى وسجن اكثر من مرة. وكتب تفاصيل عن سجنه وتجربته في المحاولة الانقلابية في كتاب اسمه” القاووش رقم 14″.

 

وفي كتابه “حياتي الحزبية” هناك طرفتين ان خطوته الاولى في الحزب كانت بفضل صديق كتائبي رمى له كراس عن الحزب قائلا “تفضل اقرا ما ما يكتبه القوميون السوريون”. والطرفة الثانية انه كتب مقالا عن ستالين وتروتسكي في” ملحق النهار” فسألوه من تقصد في هذا المقال. فأجاب:” الصراع على السلطة في الحزب القومي”.

كنت اعمل على كتاب لجان داية بالتعاون مع ابراهيم خوري لنصدره ويراه ولكن سبقتنا الاقدار. والكتاب هو عن “المطران بولس الخوري أحداث ومواقف”.

لا عجب، هكذا قضينا العمر مع جان داية. كتاب من هنا وبحث من هناك وندوة من هنالك ومشروع ثقافي قيد الإعداد وكشف جديد. لا ازال اسمع صوته يحييني من بسمة الشمس انطلياس الى ملقى الاوادم في راس بيروت.

اخيرا،  ان سر نجاح جان داية  رحمه الله هو الجرأة والدأب والتواضع والتعامل مع التراث باعتباره كائنًا حيًّا ومتنوعا وغنيا ومنفتحا على  الحياة والفكر وعطايا الحياة والحقيقة.

وبعد، يا صديقي جان النهضة يعني ان تجمع احلامك وتقدمها الى بلادك ولكنك انت حققت لبلادك بعضا من احلامها من خلالك.  الى اللقاء جان داية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *