سجلوا عندكم

شِلّينغ… ثالث المثاليين الكلاسيكيين في ألمانيا

Views: 246

وفيق غريزي

ولد الفيلسوف الالماني فريدريش فلهلم شِلّينغ Friedrich Wilhelm Joseph Schelling في ليونبرغ في اقليم فرتمبرغ، في 27 كانون الثاني عام 1775. تحدّر من اسرة بروتستانتية، واراد ذووه أن يصبح قسيسا كوالده، حاله كحال كثرة من المفكرين الالمان في القرن التاسع عشر. وكان ابوه شماسا وعلى علم باللاهوت. ويعرف بعض اللغات الشرقية وآدابها، وصار استاذاً في بيبنهاوزن القريبة من توبنغن. الحق ابنه فردريش بمعهد ديزني لإعداد الطلاب للالتحاق بجامعة توبنغن. لدراسة اللاهوت. ظهر نبوغ فريدريش مبكرا في الدراسة. وفي تشرين اول عام 1790 التحق بجامعة توبنغن، فأمضى فيها خمس سنوات من 1790 إلى1795؛ القسم الاول منها في دراسة الفلسفة، والقسم الثاني والأخير في دراسة اللاهوت. 

في هذه الجامعة تعرّف الى شخصين سيكون لهما مستقبل عظيم في الأدب والفلسفة في المانيا والعالم وهما: الشاعر الكبير هولدرلن والفيلسوف هيغل، وجمعتهم صداقة عميقة، وكانا يكبرانه بخمس سنوات. وبتأثير ابيه درس اللغات الشرقية، وخصوصا السامية والعبرية على وجه الخصوص. عام 1792 حصل عل درجة ماجستير في الفلسفة وعام 1795 حصل على نفس الدرجة في اللاهوت. 

 

عام 1798 بدأ يتطلع الى منصب أكاديمي، أي أن يكون استاذاً في احدى الجامعات، وسنحت له الفرصة بأن عين استاذاً في جامعة “يينا”. وكانت “يينا” آنذاك مركز الفلسفة في المانيا كلها، فارتحل شِلّينغ اليها في آب 1798 وبلغها في تشرين الأول من العام نفسه، وأمضى فيها تسعة فصول دراسية، وبقي فيها اربع سنوات التقى خلالها بالشاعر العظيم غوته وبقطبي الحركة الرومنطيقية الاخوين شليغل وكارولينا التي تزوجها في ما بعد، وفي هذا الجو استطاع أن يضع مذهبه الفلسفي. 

في عام 1831 توفي صديقه الفيلسوف هيغل. فتطلعت أنظار كبار القوم في برلين إلى دعوة شِلّينغ ليملأ الفراغ الذي تركه غياب هيغل. وعين شِلّينغ في جامعة برلين وبدأ محاضراته عام 1841 وموضوع هذه المحاضرات في هذه الجامعة يدور حول فلسفة الأساطير والوحي. بعد عام 1846 عاد إلى حياة العزلة وأمضى بقية سنوات عمره مع زوجته الثانية، وتوفي في رجنس، في سويسرا، في 20 آب 1854. 

 

مميزاته الشخصية

رفيقه غريس وصفه بقوله: ” شِلّينغ رجل من قلائل الرجال الذين يرفع الاتصال الشخصي بهم من تأثير مولفاته، وكان في الرابعة والعشرين من عمره، ومظهره وإن لم يكن جميلا، فإنه قوي حافل بالطاقة مثل روحه، وكثيرا ما خلبتني عظمة أفكاره، وشعرت بنفسي تسمو بواسطة هذه الأفكار، وكثيرا ما تلاقت آراؤنا السياسية. وروحه شاعرية الى أقصى درجة وإن لم يكن شاعرا”. 

وكان شِلّينغ شديد الاعتزاز بنفسه، ميالا الى النفور بطبعه. 

 

فلسفة الأساطير

كان الفيلسوف فيشته Fichte في رسالته الفلسفية عنى شِلّينغ بمشكلة الخطيئة بوصفها اسطورة فسر بها سفر التكوين التوراتي. الأصل في نشاًة الشر الإنساني، وقد رمى من هذا الى تطبيق نظريته في نشأة الأساطير الى الحاجة الإنسانية الأولى الى تصوير المعاني تصويرا حسيا، عينيا، رمزيا. فقصة الكتاب المقدس (العهد القديم) الخاصة بالخطيئة الأولى ما هي إلا تصوير حسي/عيني في نظر شِلّينغ، لفكرة ترجع في أصلها، إلى حكمة الكهنة المصريين. ومنهم عرفها “موسى” وقد ردها مرسومة بالكتابة الهيروغليفية على هيئة شجرة وحية، ويعبّر 

عنها كلاما استعمل فيه كشجرة وحية. 

من هنا بدأت عناية شِلّينغ بدراسة الأساطير، فكتب بحثا عن الأساطير والحكايات التاريخية. 

 

خلافه مع فشته وهيغل 

كان الفيلسوف فيشته، الذي تأثر به شِلّينغ، يرى أن فلسفة الطبيعة عند شِلّينغ، هي فلسفة خاطئة، فهاجمها في محاضراته الجامعية عن “ماهية العالم” ومحاضراته في برلين “ملامح العصر الحاضر” وعن “التنبيه في سبيل الحياة السعيدة “، ناعتا فلسفة الطبيعة بأنها توكيدية من اخس الأنواع، وتتسم بالتأخر والتخلّف، وجراء ذلك فسدت العلاقة بين شِلّينغ وفيشته. وكتب شِلّينغ بحثا ردا على فيشته بعنوان “العلاقة بين فلسفة الطبيعة وبين مذهب فيشته بعد إصلاحه” عام 1806. 

اما هيغل فقد وصف صديقه شِلّينغ في ما يتصل بمذهب الهوية. وكان يرى أن لابد من تجاوز مرحلة الهوية، ولهذا بدأ هيغل يكوّن مذهبه الخاص، وتجلّى في مقدمة كتابه “ظاهريات العقل” وفيه تجاوز هيغل صديقه شِلّينغ. 

 

روح العصر

كانت روح العصر في حياة شِلّينغ هي روح التوحيد الكلي الذي تمثل في السياسة: في الثورة الفرنسية الداعية الى الحرية  والمساواة والإخاء بين جميع الناس في ارجاء الدنيا، وفي النزعة القيصرية التي جسّدها نابليون بونابرت، الذي حاول أن يضم أوروبا تحت لواء واحد، ومن بعدها العالم بأسره. وتمثّلت النزعة الى التوحيد الكلي في الفن والشعر والعلم والفلسفة؛ في الفلسفة يرد المعرفة كلها إلى مبدأ واحد اساسه بنى بناء فلسفيا. وهذا ما فعله فشته في مذهب العلم حين ردّ العلم إلى مبدأ واحد هو الأنا المطلق. وما فعله هيغل برده إلى الروح المطلق. 

 

حقيقة الفلسفة 

اساساً، ليس للفلسفة موضوع مختلف عن موضوعات سائر العلوم، وكل ما في الأمر انه تنظر في موضوعات العلوم كلها عل ضوء علاقات اعلى، وتنظر إلى الموضوعات الجزئية للعلوم، مثلا: النظام الكوني، عالم النبات والحيوان، الدولة، تاريخ العالم، الفن، على انها مجرّد اعضاء في جهاز عضوي واحد يرتفع من هاوية الطبيعة، التي يمتد بجذوره إلى عالم الأرواح. 

هذه الفلسفة هي بأسرها عمل الحرية، ولا ينبغي أن نحدد لها غرضا معلوما معينا، بل ينبغي عليها أن تصل اليه، بل غايتها في ذاتها.

يقول شِلّينغ: “إن الإنسان في بدء وجوده يجد نفسه وكأنه قذف في تيار حركة مستقلة عنه، وهو في البدء ينفعل بها ؛ لكنه ليس مرغما على الانجراف في هذا التيار كأنه جماد”. وعلى الفيلسوف على ضوء ذلك أن يدرك معنى هذه الحركة الي قذف الانسان فيها. 

 

نظريته في العمل الفني 

إن الابداع الفني الذي يقوم على تفاعل بين الفعاليات، هو أمر يقر به كل الفنانين الذين يقولون إنهم مدفوعون رغما عنهم الى خلق أعمالهم، وإنهم حين يبدعون فإنهم لا يفعلون إلا أن يرضوا حاجة في طبيعتهم لا تقاوم، ويقول شِلّينغ: “إن الفن ليس في ذاته غير تجريد خاو؛ ولا يمكن تحديده مستقلا عن مادته ومظاهره وأنواعه المختلفة. والفن ليس عنصرا مجردا يظل باقيا بحاله خلال الأشكل العرضية التي يتخذها في الموسيقى والشعر. بل هو مبدا يتحول، وفي تحولاته لا يمكن دراسة ماهيته “. 

ولا يحفل شِلّينغ بالفن المعاصر له، بل يوجّه كل همه إلى الفن القديم، وفن أوائل العصر الحديث، وقد رأى انحلال الفن في عصره. ورأى شِلّينغ أن الفن العبقري يعبر عن الصورة الأولى بوضوح وحرية، ومحتوى الفن هو الكلي الالهي، وهو انتاج وتطور العالم من الخيال القوي المبدع. لهذا، فإن مذهب شِلّينغ في الفن ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: في ماهية الفن – في الأساطير – في الأنواع الفنية. وأهمية الأساطير بوصفها قصيدة العالم الكبرى من الأمور البارزة في فلسفته في الفن، وفن الشعر ينقسم على غرار تقسيم شوبنهاور للشعر وهذا التقسم هو: الشعر الغنائي/الشعر الملحمي/الشعر الدرامي، الذي يشمل المأساة والملهاة. والموسيقى تعد فنا تشكيليا بالمعنى التجسيمي على حد قول شِلّينغ …

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *