“سباق التّسلّح التّكنولوجي وانعكاسه على الأمن والسّلم الدّوليين” جديد مجاهد أحمد المزوّق عن دار نلسن

Views: 207

صدر عن دار نلسن في بيروت كتاب “سباق التّسلّح التّكنولوجي وانعكاسه على الأمن والسّلم الدّوليين” للباحث  السوري مجاهد أحمد المزوّق. في ما يلي مقدّمة الكتاب.

                                                   

  شَهِد العالم على مدار العقدين الماضيين تطوراً تكنولوجيًّا سريعًا للغاية، وخاصة فيما يتعلّق بالتكنولوجيا الأمنيَّة والحربيَّة، في ظل مساعي العديدِ من الدّول الكبرىلتوظيف وعسكرة التّقنيات الحديثة المرتبطة بالذَّكاء الاصطناعي ليس لتطوير قدراتها الحربية، وتعزيز أمنها فحسب، بل أيضاً لتعزيز مواقعها وإحداث تغيير في بنية النّظام الدّولي الحالي.

غدت التّكنولوجيا خلاله عاملًا حيويًا في إطار العلاقات الدّولية المعاصرة، ولاعبًا دوليًّا جديدًا على السّاحة الدّولية، فدفعت العديد من الدّول إلى السّباق للتّسلح بها، فالتَّنافس اليوم بين الدّول الكبرى أصبح قائماً حول امتلاك التّكنولوجيا والمعرفة التّقنية بكافة جوانبها (اقتصاديَّة وعسكريَّة وإعلاميَّة… إلـخ)، كما أن التّطورات التّكنولوجيّة المتسارعة طورت معها مفاهيم جديدة للقوة والأمن والصّراع والحروب وموازين القوى… ليس فقط على صعيد الشّكل بل المضمون أيضاً.

فالتاريخ البشري شهد صراعاتٍ وحروبًا كان مركزها جغرافيَّا أرض الواقع، وكانت الأدوات تقليدية واضحة فهي مرتبطة بساحة المعركة بين الخصوم. إلّا أنَّ بروز ثورة المعلومات في القرن التّاسع عشر غير من طبيعة الصّراع والحروب والأدوات وحتى المخاطر المحيطة به، وظلَّ هذا الحقل ينمو باستمرار وصولًا إلى الحربين العالميَّتين والكوارث الّتي خلّفتاها جراء استخدام الصّناعات التّكنولوجية العسكرية وأسلحة الدّمار الشّامل.

تلك الكوارث استدعت من المجتمع الدّولي إعادة النّظر في سياسات القوة والأمن، وإدارة الأزمات الدّولية، فأوجدت المنظمات الحكومية ومنها الأمم المتحدة، تلك الأخيرة كانت تعبيرًا عن التّوجه نحو النّمط التّعاوني في العلاقات الدّولية القائم على المنافسة بين الأطراف بعيدًا عن الحروب.

 إلّا أنَّ حقبة الحرب الباردة وما بعدها، أعادت هيكلة مفاهيم الأمن والقوة في السّياسة الدّولية،فبدأت التّكنولوجيا الحديثة ترسم مساراً جديداً في أطار التّفاعلات بين الدّول وأخذت طابعا ً أكثر تعقيدًا، حيث أصبحنا اليوم أمام حروب جديدة بأدوات جديدة كليًّاً تعتمد على القوة النّاعمة من تسخيرٍ لتطوُّرات الفضاء الإلكتروني والأقمار وأنظمة الشّبكات والذَّكاء الصِّناعي والتّطبيقات الرّقميَّة الحديثة.

إنَّ الحديث عن سباق التّسلح التّكنولوجيِّ هو المؤشر على الهاجس التّاريخي الّذي عاشته البشريَّة من الدّول والجماعات والأفراد في الحفاظ على بقائها، في حين ظلت بعض الدّول تسعى نحو التّفوق والهيمنة في هذا السّباق، إلى أن وصلنا اليوم إلى سباق تسلح جديد تخطى المفاهيم التّقليدية، هو سباق في المعرفة التّكنولوجيَّة، وهو سلاح ذو حدين له وجه مشرق وآخر مظلم.

لقد خدمت التّطورات التّكنولوجية الّتي عرفها العالم في النّصف الثّاني من القرن الماضي المجال العسكري بشكل كبير، بحيث قللت الجهد والكلفة البشرية لخوض الحروب وألغت العامل الزّمني والنّطاق الجغرافي لنشر الجيوش وتحضيرها واستعداداتها، وفرضت أنماطا قتاليَّة وفكريَّة للعقائد العسكريَّة للقرن الحاليّ واستراتيجيات بناء جيوش المستقبل، إلّا أنَّه بالمقابل لم يتناقص عدد ضحايا مآسي الحروب الإنسانية ولم يكن هذا التّطور مسألة إيجابية للبشرية ولأغلب دول العالم.

فإذا كان عصر الحرب الباردة قد شهد سباق تسلّح بلغ ذروته بالتنافس حول الأسلحة النّووية، فإن بنية النّظام الدّولي المستقبلي تتعلق بمجالات التّنافس الخطير الّذي يدور بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والصّين وروسيا كل واحدة منهما على حدة من جهة ثانية، كشريكين لديهم حساسيَّة عالية نحو إعادة ضبط السّلوك الأمريكي في كثير من المناطق المتوتِّرة والاستراتيجية للدَّولتين.

هذا السّباق والتّنافس يبدو، من خلال استعراض الأثر الّذي يحدثه البعد التّكنولوجي على المجال العسكري، خطيراً وغير مضمون النّتائج في ظلِّ الحدود الخارقة الّتي بلغتها التّكنولوجيات العسكرية وأنظمة الذّكاء الاصطناعي المرافقة لها، خاصة وأن هامش الخطأ ضئيل منذ عهد الأسلحة النّووية، وأنَّ خطر تعدد الأطراف الفاعلة في البيئة الدّولية والمستقبل مبهمٌ وغير مطمئنٍ في الاستعداد لحروب جنودها روبوتات وأنظمة ذكاء اصطناعي وتكنولوجيا خارقة، لكن الأكيد أن ضحيتها الأولى هو الإنسان.

إن البيئة الأمنيـة الاستراتيجية للدول في عصرنا الحالي، أكثر تعقيـدًا وتنافسيَّة مـــن تلك الّتي كانـــت سائدة فـي الحقب المنصرمة، إذ أصبح نطـاق المعـارك المُحتملـة متسعًا ومتعـــدِّدَ المجـالات، ليشـــمل السّــاحات الجويــَّة والبريـَّـة والبحريـَّة والفضائيَّة والإلكترونية، كما باتـت القــدرات غير التّقليديّة والتّسليحيَّة والأمنيَّة موظفةً تكنولوجيًّا، وشـــديدة الاختلاط والتّداخـــل، للدرجـة الّتي جعلـت التّمييــز بينهمـا أمرًا معقـًدا، وهـو مـا يجعل التّمييز بين أهمية التّكنولوجيا المتقدمة ومخاطرها أمرا صعبًا للغاية.

إنَّ العالم يقفُ اليوم على مفترق طرقٍ، فنظامُه فوضويٌّ وغير منتظم، وتقف الإنسانيَّة معه على مفترقات أخرى نمتلك التّكنولوجيا المتقدمة لتدمير الحياة على كوكبنا، نعم نحن في زمن الحضارة فقد وصلنا إلى القمر واستقصينا بعمق فيما وراء نظامنا الشّمسيّ، وأخذنا نوعنا إلى ما هو أبعد عن كوكبنا الأم، كذلك استطعنا الأفلات من قيد الجاذبية، كما طورنا وأوجدنا طرائق لتخزين تريليونات الأجزاء من المعلومات على رقائق السّيلكون، وتمكنَّا من فكِّ شيفرة حمضنا النَّوويِّ، وبلغنا مراحل التّصنيع بالطريقة النّانونيَّة، ومع ذلك ما زلنا لم بل لن نتعلم كيفية العيش بسلام ولا العيش المشترك القائم على العدل والقانون الدّولي واحترام سيادة الدّول بلحق الشّعوب في تقرير مصيرها.

مجاهد أحمد المزوّق
-درس الفلسفة في جامعة تشرين سوريا والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية
-حاصل على درجتي ماستر بالعلوم السياسية؛ 
ماستر المنظمات الدولية
ماستر العلاقات الدولية والدبلوماسية
-له العديد من الدراسات والمقالات المنشورة في حقلي السياسة والاستراتيجية

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *