منديلٌ مالحٌ
د. جان توما
أَبْحِرْ بهدوءٍ وسكينة، واترُكِ الرّيحَ تعانقُ شراعَكَ عساك تعود إلينا كما أودعناكَ سرَّ البحارِ وهشاشةَ ملحِه. أنتَ لم تقفْ وسطًا بيني وبين السفينةِ لتختارَ، بل أنتَ واقفٌ في مواجهةِ أعاصيرِ الحياةِ وأنواءِ العمر.
تلمَسُ وجهَ وليدِكَ علّكَ تحفظُ ملامحَهُ وتكاوينَ وجهِهِ، ترسمُها على خشبِ السفينةِ يومَ يتهالكُ، بعد صراعِهِ، مع خفايا الأفقِ وغوامضِ الماء. لا تخفْ من عتمِ الليلِ، ففي سوادِهِ يطوفُ عطرُهُ وسهرُهُ وبقايا الذكريات.
ها طفلُك يلهو بدولابِهِ، يكرّجه ويسرعُ وراءه، كأنَّ الحياةَ عندَه لهو ومرح، عسى أن يلقى الفرح. هذا دولابُ الأيامِ إن جَرَتْ على خيرٍ كان الحصادُ وفيرًا، وإن طغى الوجعُ عليها نضبَ ماؤُها ليعودَ متفجّرًا بعد حين.
خُذْ منديلي المطرّزَ الذي أودّعُكُ بهِ، فاحفظْ دمعيَ، وندى جبينِ ولديْكَ دررًا. هذا منديلٌ يصيرُ في زمنِ الشوقِ كتابَ حكاياتٍ لألفِ أملٍ، وفي زمنِ الضياعِ بوصلةً لمحبّينَ لك واقفينَ هنا، مع مرِّ الانتظارِ وحلاوةِ اللقاء، على رصيفٍ، بانتظار فجرِ عودتِكَ بسلام.
***
*لوحة “الوداع” التي رسمها الفنان الهولندي فيليب لودويك جاكوب ساديه عام 1879