الكتابة الإدارية: خصائص معيارية وأخطاء شائعة

Views: 59

 فيصل طالب

المدير العام السابق لوزارة الثقافة

تُعدّ اللغة الإدارية، أو بشكل أدق الكتابة الإدارية، مرآة الأداء المؤسسي، وأداة  أساسية  لتنظيم التواصل الرسمي داخل الإدارة العامة، وبينها وبين الجمهور، أي تنظيم علاقاتها الداخلية والخارجية، وهي تتطلّب تطبيق المواصفات والخصائص المعيارية    التي تحكم صياغة النصوص الإدارية، والتي تقوم على الالتزام بمستوى عالٍ من الدقة والوضوح والإيجاز، والتقيّد بالقواعد اللغوية والأسلوبية الصحيحة، والعناية بمجموعة من المصطلحات القانونية والإدارية المرتبطة بصياغة القرارات والتعاميم والمذكرات والتعليمات والتقارير والوثائق والمراسلات الرسمية …، في السياق الإجرائي لتطبيق النصوص القانونية والتنظيمية مرعية الإجراء، الرامية الى ضمان الشفافية والمساءلة، والتنظيم الفعّال للإجراءات الحكومية، وتحسين جودة الخدمات العامة، وحماية الحقوق، وتحقيق الصالح العام. ومع ذلك تكشف الممارسات الإدارية اليومية عن خلل في تطبيق مواصفات الكتابة الإدارية، وتزايد الأخطاء اللغوية والأسلوبية في نصوصها؛ ممّا قد يفضي إلى إرباك المعنى، ويسيء إلى صورة الإدارة وجدّيتها. انطلاقاً من هذه الإشكالية يأتي هذا البحث ليسلّط الضوء على الكتابة الإدارية تعريفاً ومواصفات، وعلى الأخطاء الشائعة في استخدامها (عرض جملة من الأمثلة المستقاة من الواقع)، واستكشاف آثارها السلبية على العمل الإداري، واقتراح إجراءات تصويبية لمعالجة هذه الظاهرة.

المواصفات الأساسية للكتابة الإدارية     

تتميز اللغة الإدارية بخصائص عديدة، من بينها:

-الدقة والوضوح: استخدام عبارات وألفاظ ومصطلحات محدّدة وواضحة ودقيقة لتجنب اللبس والغموض وسوء الفهم.

-الحياد والموضوعية: تقديم الحقائق والمعلومات بصورة غير خطابية، ودون تحيّز او انفعال، واعتماد أسلوب مهني يتسم بالموضوعية، ويبتعد عن المشاعر الشخصية أو الآراء الذاتية.

-الاقتصاد اللغوي: الإيجاز والتكثيف، والتعبير بجمل قصيرة ومباشرة، أي بأقل عدد ممكن من الكلمات دون الإخلال بالمضمون، بعيداً من الحشو والتفاصيل غير الضرورية والتكرار غير المقصود لذاته.

-الهرمية: التقيّد بالتسلسل الإداري وإظهار مواقع المسؤولية بوضوح.

-البنية النصّية النمطية نسبيّاً: التمسّك بقوالب وصيغ معتادة، واستخدام مقدّمات ونهايات وقوالب نمطية لا تتغيّر كثيراً.

-التنظيم والترتيب: التسلسل المنطقي (مقدّمة وعرض وخاتمة)، وعرض الأفكار بشكل منهجي، وتنظيم المضمون في فقرات أو نقاط مرقّمة، لتسهيل العرض والفهم والاستخلاص.

-استخدام المصطلحات المتخصّصة القانونية والإدارية الدقيقة، لضمان فهم موحّد للمفاهيم والإجراءات.

-مراعاة متطلّبات التطوّر والمرونة في العلم الإداري، كاستيعاب المصطلحات الحديثة وتعريبها لخدمة التواصل الفعّال.

-مراعاة الجمهور المستهدف: زملاء، مرؤوسين، مكلّفين، جهات خارجية،…

-مخاطبة الأفراد بمسمّياتهم الوظيفية الرسمية.

-استخدام اللغة العربية، والالتزام بقواعدها في النحو والصرف والإملاء، مع استخدام أدوات الربط المناسبة لتحقيق الانسجام والترابط بين الجمل والفقرات، ومراعاة علامات الوقف والإعراب، ووضع المصطلحات الخاصة والجمل المنقولة عن آخرين بين علامتي التنصيص ” “، وتجنّب تضمين النصوص تعبيرات او ألفاظ عامية، مع إمكانية تطعيمها ببعض المصطلحات الفرنسية او الإنكليزية في بعض الحالات إذا اقتضت ذلك الضرورة؛ بالإضافة إلى إمكانية استخدام لغة أجنبية في التواصل الرسمي مع جهات رسمية أجنبية أو دولية.

 أمثلة عن أخطاء أسلوبية في الكتابة الإدارية، وتصويباتها:

-استخدام علامات الوقف: الفاصلة (،) بدلاً من الفاصلة المنقوطة (؛) قبل “حيث” و”إذ ” – (لللاطلاع وإبداء الرأي يرجى التوقيع)، بدلاً من (للاطلاع، وإبداء الرأي. يرجى التوقيع).

-صيغة المجهول : (دُوّنت المعلومات من قبل الموظف المسؤول)، بدلاً من  (دوّن الموظف المسؤول المعلومات).

-الترجمة الحرفية عن لغة أجنبية :(يرجى أخذ العلم prière de prendre connaissance)، بدلاً من (يرجى الاطلاع) – (وضع بتصرفكم mettre à votre disposition  ) ، بدلاً من ( جعل في متناولكم ) – (كمعلم ما رأيك في …؟ as a teacher ) ، بدلاً من (لأنّك معلّم، ما رأيك…؟) – (يقع تحت طائلة المسؤولية sous peine de responsabilité)، بدلاً من (يتعرّض للمساءلة القانونية).

-مبالغة في المجاملة: (نحن بانتظار إفادتكم الكريمة)، بدلاً من (الرجاء الإفادة بالمقتضى) – (يرجى التفضل بالاطلاع واتخاذ ما ترونه مناسباً )، بدلاً من (يرجى الاطلاع واتخاذ اللازم)  – (نرجو منكم التكرّم بإرسال المعلومات المطلوبة)، بدلاً من (الرجاء الإفادة بالمعلومات المطلوبة).

-استخدام مصطلح غير مناسب: (تمّ تفويض الموظف حضور المؤتمر)، بدلاً من (تمّ انتداب الموظف…).

-استخدام تعبير غير مناسب: (يتم استقبال الطلبات ابتداء من…)، بدلاً من (يتم استلام الطلبات…) – ( توفير المستلزمات الضرورية)، بدلاً من ( تأمين المستلزمات…) – (بموجب كتابكم تبيّن أنّ…)، بدلاً من (استناداً إلى كتابكم…): “بموجب” تستعمل للإلزام…

-تعبير منقوص: (الموضوع أعلاه)، بدلاً من (الموضوع المذكور أعلاه).

أمثلة عن أخطاء لغوية في الكتابة الإدارية، وتصويباتها:

 

 أثر الأخطاء في الكتابة الإدارية

 إنّ شيوع الأخطاء في الكتابة الإدارية، سواء أكانت نحوية، أم إملائية، أم أسلوبية، أم اصطلاحية، أم في عدم الالتزام بالقواعد والأسس التي تقوم عليها بصورة عامة، يشكّل عائقاً أمام التواصل الإداري الواضح والفعّال والمفيد. ولذلك تبدو معالجة هذه الأخطاء بشكل منهجي ومدروس حاجة ملحّة لضمان التزام النصوص الإدارية بالمعايير اللغوية المحكمة التي تكفل سلامة المعنى، ودقّته، وعدم تأويله بصورة خاطئة، ممّا يغلق الباب في وجه النزاعات الناشئة من سوء التفسير، أو يتسبّب بالبطء في تنفيذ الإجراءات؛ بالإضافة إلى أنّ غياب التوحيد القياسي للمصطلحات الإدارية يصعّب عملية الأرشفة الرقمية او البحث في قواعد البيانات، وأن انتشار هذه الأخطاء في الكتابة الإدارية يرسّخها لدى الأجيال الجديدة، خصوصاً أن الوثائق الرسمية هي جزء من مصادر البحث الأكاديمي في غير مجال.

الإجراءات التصويبية 

  إنّ التصدّي لمشكلة الأخطاء في الكتابة الإدارية هو جزء أساس من تطوير العمل الإداري، وتحسين صورته في المشهد العام. ولذلك تقتضي الممارسة الإدارية الرشيدة اعتماد آليات منهجية في هذا السبيل تقوم على التشخيص الدقيق، والتوجيه المستمر، والتدقيق المنظّم، بما يحقق الارتقاء بجودة الخطاب الإداري، وتحقيق أهدافه بفعالية، ومن ذلك:

 *رصد الأخطاء اللغوية الإدارية الشائعة وتوثيقها، وإعداد جداول بها مع تصحيحاتها.

 * إصدار دليل إرشادي توجيهي وطني للكتابة الإدارية يخدم تبسيط اللغة الإدارية، وتنقيتها من شوائب الأخطاء الشائعة، وتوحيد مصطلحاتها، مرفق بنماذج للمراسلات الإدارية محكمة الصياغة.

  * تنظيم دورات تدريبية متخصّصة للموظفين لتعزيز الوعي اللغوي لديهم، وتتبّع الأخطاء الشائعة التي يقعون فيها، واعتماد آلية تغذية راجعة بنّاءة لتصحيحها، وتقدير الناجحين من بينهم في صياغة كتاباتهم بشكل سليم.

  * إضافة “التدقيق اللغوي” إلى مسار إصدار الوثائق والمراسلات الإدارية.

* تحديث المعايير اللغوية بصورة دوريّة لضمان مواكبتها للتطورات اللغوية في هذا الإطار.

*دعم هذا المساربأنشطة ثقافية ولغوية تضطلع بتنظيمها المؤسسات العلمية  والثقافية في البلد، سعياً إلى صون لغتنا العربية، والحفاظ على مكانتها، ما دامت هي اللغة الرسمية التي تحمل هوية الوطن وثقافته.

خاتمة

لقد سعى هذا البحث إلى تقديم إطار عملي يمكن أن تعتمد عليه الإدارة العامة الراغبة في الارتقاء بجودة أدائها اللغوي، من خلال الالتزام بمقوّمات الاحتراف في الكتابة الإدارية، وتبنّي ثقافة لغوية إدارية سليمة تقوم على اعتماد معايير موحّدة للكتابة الرسمية، وذلك لضمان تحقيق الأهداف الاتصالية بكفاءة ومهنية عالية، وإرساء بيئة عمل منتجة تستفيد في مسار نموّها من التطورات التكنولوجية التي أدّت إلى تحوّلات كبيرة في أساليب الاتصال الإداري؛ ممّا يستدعي إعادة النظر في أنماط الكتابة الإدارية التقليدية، بما يتلاءم مع المفاهيم الرقمية الحديثة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *