100 عام على وفاة سليمان البستاني الأديب والمترجم والوزير
سليمان بختي
سليمان البستاني 1856-1925 هو من تلك الدوحة البستانية التي لعبت دورا ظاهرًا في حركة النهضة وفي تاريخ الادب العربي .نذكره في مروءته ونجزي له التحية. هو سليمان بن خطار بن سلوم البستاني.
ولد في ابكشتين (اقليم الخروب، الشوف)، تلقى دروسه الأولى على يد عمه المطران عبدالله. دخل إلى المدرسة الوطنية التي أنشاها نسيبه المعلم بطرس البستاني، ودرس فيها علي يد ناصيف اليازجي ويوسف الأسير ، وتخرَّج متفوقًا في الادب والشعر. اشتغل بالتدريس والصحافة ونشر في” الجنان” و”الجنة” و”الجنينة.”وشارك في تأليف دائرة المعارف، وحمل العبء كاملا، واصدر المجلد التاسع والعاشر والحادي عشر.
انتخب عضوًا في مجلس المبعوثان العثماني واصبح رئيسًا له في العام 1910، وتولى وزارة الزراعة والتجارة، ووقف ضد الهجمة الصهيونية على أراضي بيسان.
من مؤلفاته: “لكل فن مطلب” (قاموس)، و”الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده”، و”طريقة الاختزال العربي”، و”تاريخ العرب” في أربعة مجلدات، و”عبرة وذكرى”وهو الكتاب الذي انتخب على أساسه نائبًا عن بيروت بالإجماع.
أما عمله الفذّ فكان ترجمة “الإلياذة” ، وصدرت عن دار الهلال في القاهرة عام 1904، وهي اول ترجمة شعرية عربية كاملة لنص ملحمي بلغة أجنبية وعن لغته الاصلية، ولم تزل حتى اليوم تنعم بفرادتها بكونها الترجمة الشعرية العربية الوحيدة. كما أن مقدمته للإلياذة أول محاولة في عصر النهضة في البحث في الأدب المقارن . وقد استقر في بحثه الشعر العربي وبحوره ومعجمه واغراضه واساليبه بحثا عن أداة الترجمة الشعرية . ترجم البستاني الإلياذة ملحمة الإغريق الكبرى للشاعر اليوناني هوميروس. الملحمة الشعرية لحرب وقعت بين اسبارطة وطروادة.
أحب البستاني ان ينقل الالياذة الى العربية وقد راها تنقل الى لغات العالم وفي ذلك يقول:
“نشأت في بيت على شغف غير يسير بالأدب وقد عرفت منذ صغري بقراءة القصص وسماع الحكايات. قرات ألف ليلة وليلة والزير سالم وعنترة العبسي. هذا التتبع جعلني اعرف ما يعيره الأدب العربي والأوروبي من اهتمام بالنص القديم وخصوصا الأدب اليوناني القديم الذي يمثله هوميروس خير تمثيل فاقبلت على هذه الملحمة قراءة ودراسة وفهما واستيعابًا. ثم عقدت العزم على ترجمتها الى العربية ليستفيد منها الأدب العربي وتثرى بها اللغة العربية”.
أعتمد البستاني في الترجمة بداية على اللغة الإنكليزية، لكنه بعد سنوات من العمل وجد أن الكثير من رونق الملحمة سيضيع وستفقد كثيرًا من روح الأصل . عقد العزم على تعلُّم اللغة اليونانيَّة القديمة ليفهم أسرارها ويستشف روحها وتعابيرها الجمالية في الترجمة. ولم يكتف بذلك بل زار اليونان وشاهد المواقع على الارض ووقف على عادات اليونانيين وتقاليدهم ليزيد من فهمه للالياذة نصًا وروحًا. ترجمها شعرا من سبعة آلاف شطر باليومانية جعلها البستاني 22 ألف شطر في العربية . واستغرق عمله 17عاما ووضع للترجمة مقدمة عن فن الملاحم وأصوله والأسرار التي حالت دون وجوده في الأدب العربي، رغم استشهاده ببعض النصوص التي لها نفس ملحمي في تراثنا الشعري . وقد اعتبر البعض أن عمله هذا هو وصل ما إاقطع بين الفكر العربي واليوناني . ولكن الأهم ،براي الناقد عصام محفوظ، ” أن البستاني هنا أكد قدرة الشعر العربي على استيعاب الملاحم وشخذ القراءح الشعرية”.
ولكن ما الذي آخذه إلى السياسة؟ حبه للسفر . فقد زار القاهرة عام 1888، وزار العراق والهند وإيران والاستانة وأوروبا واميركا. عين نائبًا في مجلس المبعوثان ثم وزيرًا للتجارة والزراعة. نادى البستاني بتوحيد التعليم في المدارس الحكومية وتوسيع المجال للمدارس الوطنية ودراسة الفلسفة والاجتماع والتاريخ وفتح الأندية وتعزيز الجمعيات . كما عارض في كتاباته التعصب للجنسي والديني . وخلص الى” ان صهر عناصر الأمة في بوتقة الوطن تقضي على شياطين الفتنة” .
في اخر سنواته انتدب البستاني إلى اميركا لإدارة القسم العثماني في معرض شيكاغو . انشا مجلة “المعرض” محاولا التعريف بالشرق لكن السلطات العثمانية طلبت تكريس نصف صفحات المجلة لتمجيد الباب العالي فاغلقها. استقال سليمان البستاني من مجلس المبعوثان في بداية الحرب العالمية الاولى بعد مطالبته بالتمسك بالحياد في الحرب وما استطاع فقدم استقالته.
لاموه غير مرة لانه انصرف عن العلم إلى السياسة فأجاب:”نعم قد اسأتُ الى نفسي … على أنني أرجو أنني لم اسئ الى أحد”.
استقر في اميركا لتلقي العلاج والتقى هناك جبران وأعضاء الرابطة القلمية. لم يفلح العلاج وتوفي في اميركا في العام 1925.
وكتب جبران في رثائه: “من منا سمع برجل سلك كل المسالك واجتاز كل المعابر، قمن النثر إلى النظم إلى التجارة إلى الإدارة إلى النيابة إلى الوزارة ثم يجيء إلى بابل الجديدة قيقول لصديق له: الرجل الرجل من يخدم لا من يستخدم ، وينفع ولا يستنفع، ويبقى مجهولًا”.
وختم جبران:”ان البستاني واحد من القليلين الذين يمرون بهذا العالم ويتركون وراءهم أغنية ترددها الأودية والمغاور كل صباح وكل مساء”.