قوة التحكم في الذات
د.سلاهب الغرابي- العراق
يمكنك أن تخلق القوة الكافية للتحكم في الذات، وذلك من خلال ثمان خطوات وهي:
أولاً: التحدث مع الذات
ويأتي التحدث مع الذات من عدة مصادر والتي قد تؤدي إلى برمجة الذات بطريقة سلبية أو إيجابية:
*الأسرة: بعض الآباء والأمهات يقومون بترجمة ذريتهم سلبياً وهم لا يشعرون بذلك، مثلاً يسمعونهم عبارات مثل أنت غبي، أنت كسلان، أنت غير منظم.
*المدرسة: يمكن أن يكون قد مرعلى أحدنا أيام الدراسة، أن صعب عليه فهم نقطة معينة، وحينما طلب الطالب من الأستاذ إعادتها، قال له: (أنت لا يمكنك فهم شيء أبداً). المدرسة ممكن أن تكون مصدراً للبرمجة الذاتية سواءً كان ذلك بشكل إيجابي أم سلبي.
*الأصدقاء: يؤثر الأصدقاء على بعضهم البعض بطريقة كبيرة، فيمكن أن يتناقلوا عادات سيئة مثل التدخين أو الهروب من المدرسة، ولو رأينا أن أغلب المدخنين انجذبوا إلى التدخين بتأثير اشخاص آخرين عندما كانت أعمارهم تتراوح مابين 10 ـ 15 وهذه الفترة هي فترة المراهقة والتقليد للآخرين.
*الإعلام: توضح دراسة أجريت في إحدى الدول على طبقة الأطفال والشباب، أن الشباب يقضون 39 ساعة اسبوعياً في مشاهدة التلفزيون، فإذا رأى الطفل أن الشخص الفلاني يعجبه في طريقة لبسه أو حديثه أو تصرفاته سيقوم بتقليده.
*انت نفسك: بإمكانك برمجة نفسك بطريقة إيجابية أو سلبية، إذا مارست مثلاً سلوكًا سلبيًا، فقد برمجت نفسك بطريقة سلبية، أما إذا كنت تسلك سلوكًا إيجابيًا، فقد برمجت نفسك بطريقة إيجابية.
مستويات التحدث مع الذات:
1- المستوى الإرهابي الداخلي: من أخطر المستويات، لديه القدرة بأن يجعلك شخصًا فاشلا فاقد للأمل، ويضع أمامك الحواجز التي تمنعك من تحقيق أهدافك. يظهر هذا المستوى من كلمات مثل أنا خجول، أنا ضعيف، ذاكرتي ضعيفة، بهذه الكلمات يرسل الناس إشارات سلبية للعقل الباطن، ويرددونها حتى تصبح جزءًا من اعتقاداتهم القوية، وبالتالي تؤثر على تصرفاتهم وأحاسيسهم.
2- مستوى كلمة ( ولكن ) السلبية: هذا المستوى أفضل من الأول، فالشخص هنا يقول إنه يرغب بالتغيير ويضيف كلمة ولكن. هذه الكلمة تدمر الإشارات الإيجابية التي تسبقها. يظهر هذا المستوى من كلمات مثل أريد أن أقرأ كتب النجاح ولكن ليس لدي الوقت.
3- مستوى التقبل الإيجابي: وهو أقوى المستويات السابقة، يشكل مصدراً للقوة وعلامة الثقة بالنفس والتقدير السليم. يظهر هذا المستوى من كلمات مثل أنا قوي، أستطيع أن أحقق هدفي، أتمتع بالصحة ولدي القدرة الكافية، كل هذه الرسائل الإيجابية تمنحنا الحماس والثقة تجاه أهدافنا.
أشكال التحدث مع الذات:
*التفكير: هذا النوع ذو قوة بحيث أنه يمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة (مثلاً إذا فكرت في شخص ما تكرهه وتذكرت أن هذا الشخص في مرة من المرات سبب لك مشكلة كبيرة، أنظر إلى طبيعة الأحاسيس التي تأتيك في تلك اللحظة ). وهذا النوع من التحدث يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب، ويؤثر كثيراً على الأفعال. كما قيل:( راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالا، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعًا، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك).
*الحوار مع النفس (الصامت): هل سبق وأن أعدت على نفسك حوارًا دار بينك وبين شخص آخر وقمت بكلا الدورين، وأخذت مثلا تضيف عبارات تمنيت أن تقولها في وقت الحوار الأصلي، وهذا النوع من التحدث مع الذات يولد أحاسيس قوية قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية.
التعبير بصراحة والجهر بالقول هذا النوع يأخذ شكلين:
1- التحدث مع النفس بشكل مرتفع: هل سبق أن رأيت شخصاً يتحدث إلى نفسه بصوت مرتفع أثناء سيره؟ ما يحدث في ذلك الوقت أن الشخص يتعرض لضغط غير عادي فيلجأ لا شعورياً إلى التنفيس عن نفسه بهذه الطريقة، والتي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي، أو سلبي.
2- محادثة توحي بعدم الكفاءة: كأن يقوم شخص يتحدث مع شخص آخر، والذي غالباً ما يكون قريبًا، عن عدم رضاه عن نفسه وشعوره بعدم الكفاءة في أداء العمل.
ثانيًا : الاعتقاد
هو ما نؤمن به في قلوبنا، هو الأساس الذي نبني عليه أفعالنا، وأهم خطوة في طريق النجاح، فلكي ننجح لا بد أن نؤمن بأننا نستطيع النجاح، ونؤمن بأن لدينا القدرات والإمكانيات للوصول إلى النجاح لا يتطلب الاعتقاد أن يكون الشيء حقيقة فعلاً، لكن كل ما يتطلبه هوالاعتقاد بأنه حقيقة كما قال الكاتب نابليون هيل: (ما يدركه عقل الإنسان ويؤمن به يمكنه تحقيقه).
أشكال الاعتقاد التي تؤثرعلى تصرفاتنا:
* الاعتقاد الخاص بالذات: وهو أقوى الاعتقادات تأثيراً، فكيفية اعتقادك في نفسك يمكن أن تزيد من قوتك وتساعدك على التقدم، ويمكن أن تكون مدمرة وتبعدك عن هدفك. من أمثلة الاعتقادات السلبية (أنا لا شيء، أنا فاشل، أنا لا أستحق النجاح، كلما قمت بتجربة جديدة لا أنجح). ومن أمثلة الاعتقادات الإيجابية ( أنا أثق بنفسي، وأثق بقدرتي على النجاح، أنا أم، أخت، اابنة ممتازة).
* الاعتقاد في ما تعنيه الأشياء: هذا النوع يمثل ما تعنيه الأشياء بالنسبة لنا، وتدل على حالة الشيء هل هو ذو أهمية بالنسبة لنا أم لا؟. إذا غيرت معنى الاعتقاد في شيء فإنه يتغير معنى ذلك الشيء بالنسبة لك. (https://www.wmpg.org/)
*الاعتقاد في الأسباب: يتناول الدافع وراء أي موقف، والسبب وراء حصول هذا الموقف. من الأمثلة على هذه الإعتقادات السلبية ( أنا عصبي بسبب الطريقة التي نشأت عليها، أنا عصبي بسبب عصبية أمي وأبي عليَّ لو أصبحت غنياً فمن الممكن أن أفقد عائلتي).
*الاعتقاد عن الماضي: ما حدث لك في الماضي سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا يمدك بمجموعة من التجارب يمكن أن توثر في أشكال الاعتقاد السابقة (الذات ـ الأشياء ـ الأسباب)، كما أنها تؤثر في السلوك وتتحكم في تصرفاتك المستقبلية.
*الاعتقاد في المستقبل: الأشخاص المتفائلون يعتقدون ويؤمنون بأن المستقبل يحتوي على فرص أكثر ومستويات أفضل وحياة أفضل، بينما الأشخاص المتشائمون يرون أن المستقبل ستكون فيه الحياة أصعب ولا يوجد فيه العديد من الفرص.
ثالثًا: النظر الى الأحداث
تنبع طريقة النظرإلى الأحداث من الاعتقاد أياً كان شكله، كما قيل: (هناك اختلافات بسيطة واختلافات كبيرة بين الناس، فالاختلافات البسيطة هي النظرة تجاه الأشياء، والاختلافات الكبيرة في كون هذه الأشياء إيجابية أم سلبية ).
وحتى يكون لدينا نظرة إيجابية تجاه الأشياء، علينا ببساطة تفادي النظرة السلبية للأشياء، وهذه النظرة السلبية تأتي من:
1- اللوم: كثير ما نسمع الناس يتلاومون، يلومون أباءهم، يلومون رؤساءهم في العمل، يلومون الطقس، يلومون حظهم، كل ذلك لتبرير شعورهم وإحساسهم. لوم الآخرين يمنعك من استخدام إمكانياتك الحقيقية.
2- والظروف والمواقف، فإنك بذلك تعطيها القوة لقهرك، يجب عليك أن تتوقف عن لوم الآخرين وأن تتحمل مسؤولية حياتك.
3- المقارنة: عادة ما نميل إلى مقارنة أنفسنا مع الآخرين، وفي أحيان كثيرة نكون الخاسرين في تلك المقارنات، لأن المقارنة تقوم على الأشياء التي نفتقدها وتكون موجودة لدى الآخرين. إذا كنت فعلاً تريد إجراء مقارنة رابحة فقارن بين حالتك الآن وحالتك التي يمكن أن تكون عليها في المستقبل، وابحث عن الطريقة التي يمكن بها تحسين حياتك والتركيز على قدراتك.
4- العيش مع الماضي: العيش في الماضي يجعل غباره يملأ حاضرك ومستقبلك ويجعل حاضرك ومستقبلك لا يختلفان عنه. كيف تريد العيش في الحاضر الانتقال إلى المستقبل وأنت مُكبل بقيود الماضي؟.
5- النقد: قبل أن تنتقد شخصًا عليك أن تفكر في النقاط الإيجابية في الشخص قبل النقاط السلبية، ومع ذلك فالنقد يجب ألا يوجه إلى الأشخاص إنما لطريقة تصرفاتهم وكُن لطيفاً في معاملة الآخرين، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
6- ظاهرة الـ (أنا): لا تتحدث عن نفسك كثيراً، ولا تستخدم الفاظ الذاتوية مثل: (أنا نفسي، أنا شخصياً ) بكثرة.
رابعًا: التخطيط
الأعمال المشهود لها بالنجاح، لم تأتِ إلا بعد تخطيط، وأي عمل يسير دون تخطيط مسبق مشكوك في استمرار تنفيذه ومشكوك في وصوله للنجاح. يعرف التخطيط على أنه العملية الإدارية لتحقيق الأهداف باستخدام أمثل أو أفضل الموارد المتاحة لذلك في إطار القدرة الاستبصارية لما سيكون عليه المستقبل (ونعني بالقوة الاستبصارية هي التنبؤ). التخطيط الجيد هو الذي يضع عنصر المستقبل في حسبانه، ويحاول التنبؤ به وبنفس الطريقة التي يمكن أن نحدد بها الأهداف، يمكن أن نرسم تخطيطاً لهذه الأهداف، ويساعدنا الأصدقاء الستة ( وماذا، لماذا، أين، متى، كيف، مَن ).
إن الإنسان الذي لا يخطط لحياته هو واحد من ثلاثة:
1-أما أنه لا يعرف ماذا يريد.
2-أو أنه يعرف ماذا يريد ولكن لا يعرف الوسيلة التي تحقق له ما يريد.
3-أو أنه يعرف ماذا يريد ويعرف الوسيلة، لكنه يفتقر إلى الثقة في أنه يستطيع أن يحقق ما يريد.
يقول جورج برنارد شو: هناك أناس يصنعون الأحداث، وهناك أناس يتأثرون بما يحدث، وهناك أناس لا يدرون ماذا يحدث.. !! إن ما يفرق بين الإنسان الناجح والفاشل ليس الإمكانيات، ولكن القدرة على استخدام هذه الإمكانيات، والقدرة على الاستعداد لتلقي الفرص.
يقول أحد حكماء الصين كونفوشيوس: الناس بالفطرة متشابهون، وفي التطبيق مختلفون.
وحتى يكون هذا التخطيط ناجحاً، يجب أن تتأكد أن عقلك وجسدك وروحك عناصر تعمل بشكل تعاوني مع بعضها بعضاً، لتحصل على الاتزان المطلوب، وعليك ان تخطط لكل منها بشكل مناسب.
عناصر التخطيط:
*الهدف من التخطيط.
*الأفراد المنفذون للخطة.
*عملية التنفيذ.
*الزمن الذي تنفذ فيه الخطة.
*عملية المتابعة.
صفات الخطة الناجحة:
*المرونة: القدرة على تغيير الخطة عند تغير الظروف.
*الشمولية: بحيث تغطي الخطة كافة الاحتمالات والطوارئ وأن لا يكون شيء على حساب شيء آخر.
*التنسيق: التتابع المنطقي عند تنظيم خطوات العمل، بحيث لا يحصل تضارب أو إزدواجية أو التداخل.
* الوضوح: فلا غموض في مراحلها، الهدف واضح، والوسائل محددة، المسؤوليات محددة.
*الأخلاقية: فلا تتعارض الخطة مع الأخلاقيات والضوابط الشرعية والآداب المرعية.
خامسًا: التعلم
إن أهم مصادر قوة التحكم في الذات، التعلم فلا يمكن أن تتحكم في ذاتك دون أن تتعلم وتعرف كيف تتحكم فيها، والتعلم الحقيقي هو التعلم الذي يكتشف الشخص من خلاله كيف يكون إنسانًا، هو التعلم الذي يعمل على تنمية الطاقات على الإبداع, والرسول (صلى الله عليه وآلهِ وصحبه وسلم) شجع المتعلمين وطمأنهم على نتيجة جهدهم وقال: ( مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ).
سادسًا: الصبر والثبات
لا يمكن أن تحقق نجاحاً هائلاً في يوم وليلة، النجاح يحتاج إلى صبر وتخطيط، إن استعجال النتائج هو استعجال للاستسلام. الصبر ضياء فإذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، وترادفت الضوائق وطال ليلها، فالصبر وحده الذي يشع بالنور العاصم من ذلك التخبط.
سابعًا : المثابرة والإصرار
قد تأخذ النتائج وقتاً طويلاً في الظهور، لا تفقد الأمل، استمر في طريق تحقيق هدفك وإسعَ إلى تحقيق هذا الهدف. المثابرة والإصرار يذكراننا بذلك العضو الدؤوب (القلب) ينقبض وينبسط منذ ولادتنا، يضخ الدم إلى باقي أجزاء الجسد، تستطيع الشعور به يعمل عندما تضع يدك على قلبك، لكن عندما لاتسمع هذه الدقات يكون هذا الجزء المثابر قد توقف عن العمل، إذا توقف القلب معناه الموت. موت أفكارك وقطع نجاحك يكون بالتوقف عن العمل.
ثامنًا: إجعل حياتك ممتعة
الحياة نعمة، حاول أن تستمتع لوجود هذه النعمة لديك. الإرهاق الذي نعاني منه غالباً ما يكون مصدره الذهن، فالإرهاق الناتج عن مصدر جسدي بحت هو أمر نادر، لذا نلاحظ أن الشخص المحب لعمله ويستمتع فيه، يستطيع العمل لوقت طويل دون أن يشعر بالتعب، فعندما نشكو من الإرهاق والشعور بالتعب، نقول إننا لم نمارس هواياتنا منذ فترة طويلة، عليك أن تعود إلى نفسك واستمتع بوقتك وذلك بعد ان تتعلم فن إدارة الوقت.