نص فارغ وملهاةٌ من نوعٍ آخر
نيسان سليم رأفت
تناقصُ الوقتُ،
والوطنُ ومصابيحُ الأصدقاءِ
ولذا لم أعد أؤمن بواقعٍ واحدٍ
أكتبُ اليومَ نصاًّ فارغاً
مكتظاً برائحةِ كلِّ الذينَ
ستغيّبُهم هذهِ الارضُ لاحقاً،
وربَّما أنا من يسبقُهم
وبما إنَّنا أصبحنا نرى الموتَ
بهذا اليسرِ….
أعترفُ بأنَّني لطالما كتبتُ لإرضاءِ نفسي،
لإفراغِها من آلامِها وخطاياها،
وإزاحةِ جبلِ الجليدِ عن قلبي،
لكنّي لم أعدْ أستطيعُ ممارستَها
بهذهِ الأنانيةِ.
ذلكَ أنَّ الكتابةَ تُعريني كما الخريفُ،
تُخْضِعُني لها…
***
ومذ ولدنا ونحنُ في صراعٍ مع الخوفِ
من الغرفِ المغلقةِ.
من الأنابيبِ التي تقطّرُ الهواء بمشقة
في الرئتين.
من أنْ يلوّح لي من أُحبّ
من وراءِ زجاجِ البابِ
دونَ أن أتمكنَ من الغوصِ في أحضانهِ .
وأخافُ…
أنْ أكونَ أنا الواقفةُ خلفَ الزجاجِ.
لا أريدُ أن ألوّح لأحدٍ سوى،
للذين يحملونَ عذاباتٍ أكبرَ، وجراحٍ عتيقةٍ
للذينَ تصدحُ السماواتُ بدعائِهم المرتجفِ
في دورِ العبادةِ، في خلواتِهم
في غرفهِم الضيقةِ، الرطبةِ، الخانقة..
للأشخاصِ الذين يضعونَ الورودَ على القبورِ،
ويرحلون على عجلٍ،
يهرولون هربًا من الأصواتِ المدويةِ فيهم
لصديقتي المثقلة بالآسى
تقيمُ لنفسِها ملهاةً من نوعٍ آخر،
***
هرباً من صرخات الحب المحتضر فيها،
للواتي يَحِكنَ حزنَهُنَ مع “الكروشيه”،
للهالات السوداء في وجوه الجميع،
للعجوز الغافي قرب عربةِ رزقهِ
للفقراء…
للتعساء من الأغنياء،
للأصحاء الوحيدين في المصحات العقلية،
للمرضى الذين يستيقظونَ صباحاً
ويمشونَ غافلينَ نحو الروزنامةِ،
يضعونَ “إكس” على خاناتِ الأيامِ التي مضت،
بأنتطارِ يومٍ بلا إشارة
لقد ماتتْ رموزُ المدنِ الجميلةِ
ولَم تُعدْ ناطحاتُ السحابِ مثيرةً
وبيوتُ اللهِ أُفرِغتْ من مصليها
وقطعُ الوصلِ دليلُ محبتِنا
حتى أصبحنا نخشى
النهاية !!!؟؟؟