مشاركة المرأة في الحياة السياسية بين الحق الدستوري والقيود الاجتماعية
أمل سويدان
“يا الله شو كان بدي بهالبوست. يصفطلوا مش جاييني شي من السياسة كلها. هلق أهلي بيعرفوا بيعملولي قصة بيكفي إنن ضدي. لازم سكِّر فايسبوك وما بقى احكي شي. كلن مدعومين بلكي عملولي شي. (https://www.santaritalandscaping.com/) . “.
من منا لم تقل هذه الجمل وغيرها؟ من منا لم تجبر على السكوت مقابل حماية نفسها وكرامتها؟ من منا لم تعنف نفسياً وجسدياً وتلاحق إجتماعياً بسبب أفكار سياسية معارضة؟ كرامتي ليست للتسوية. حريتي ليست للمقايضة. أفكاري ليست للرقابة… نحن النساء اللواتي قررنا التحدث بالسياسة بدلاً من الإنجاب والتربية، اعتبرنا القلم من أولوياتنا والتوعية على الحقوق الإجتماعية والسياسية هدفنا. لا يحق لأي شخص أن يحدد سقف أطروحاتنا. نحن لسنا لتعليم الأطفال الأبجدية، لسنا لبيع مستحضرات التجميل (مع احترامي لجميع المهن لكن لا يحق لأحد أن يحدد خياراتنا العملية والعلمية.).
على الرغم من نص الدستور على المساواة في الحقوق والواجبات (الفقرة ج)، وأن جميع اللبنانيين سواء أمام القانون يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية دون فرق بينهم (المادة 7). وعلى الرغم من توقيع لبنان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي تنص على اتخاذ التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد على قدم المساواة مع الرجل من ناحية التصويت والمشاركة (المادة 7) إلا أنها للأسف بقيت مجرد قرارات نُفذت بمحسوبية، وتفتقر التطبيق الفعلي لترك الحرية للنساء في التعبير عن إنتماءاتهن السياسية والدينية على حد سواء.
لقد تغيّر وضع المرأة السياسي في السنوات الأخيرة في لبنان، إذ أن 86 امرأة ترشحن للبرلمان و 63% من اللوائح الإنتخابية لعام 2018 تضم نساء حسب إحصائيات www. elections. gov. lb . هذه النسب لا بأس بها في ظل النظام الحزبي التقليدي القائم على إقصاء النساء المعارضات خاصة عن العمل السياسي والتفرد في الحكم، وفي حال سمح المشاركة النسوية إلا أنها بقيت مقيدة برأي رئيس الحزب والعائلة. أما في حال أخذت طريق المعارضة فإنها ستكون هدفاً لمحيطها، فيحاولون إخماد ثورتها وإسكاتها حتى ولو كانت تنطق بالحق. ولعل أبرز مثال هو ما تعرضت له الإناث المشاركات في التظاهرات التي شهدها لبنان مؤخراً في ساحات المدن عامة والقرى خاصة من عنف وملاحقة ونبذ إجتماعي.
وفي هذا الاطار، تشهد بعض القرى والمناطق اللبنانية غياباً لتفاعل النساء في السياسة، حتى وإن ظهرت بصورها الضعيفة -أي عبر العمل الكشفي- لكن نادراً ما تقام ندوات ولقاءات حزبية كانت أم مستقلة موجهة للنساء لحثهن وتوعيتهن على أهمية المشاركة في صنع القرار وإدراكهن مدى تأثيرهن في نجاح العمل السياسي. ونلحظ في تلك المناطق أن النساء ممنوع عليهن التعاون مع الرجال في الشأن السياسي لإعتبارات دينية تحرم اختلاط النساء مع الرجال، وإما لإعتبارات إجتماعية تُعيّب النساء اللواتي يتحدثن بالسياسة بوصفهن “فاجرات” ومتحررات بلا قيود، ويبررون التعرض لهن من قبل الأهل (والحزبيين والحزبيات) في حين كانت المرأة في صفوف المعارضة السياسية للأحزاب المسيطرة فيقولون “هيي اختارت تغلط مع ناس مش قدها، تتحمل النتيجة!”
لقد أجمع عدد من الناشطين السياسيين المعارضين ضمن في تلك المناطق على أن المرأة تواجه تحديات وصعوبات، منطلقين من واقع مختلف عن حياة المرأة السياسية في المدن. فالحرية التي تؤمنها المدينة للمرأة في التعبير ولو بنسبها المتفاوتة يقابلها قمع واضطهاد وتخويف في القرية، معتبرين أن العادات والتقاليد متشابهة في كل المناطق. وقال أحدهم أن الأحزاب التي كانت دائما تجاهر بدعمها للمرأة وتطلب تمكينها كانت تحول دون ذلك ما كتب لها الفشل في بعض التجارب، ولا يمكننا تجاهل المستوى التعليمي والثقافي للأهل والوسط الإجتماعي المحيط بها. ومن جهة أخرى إن ربط توجهات المرأة دائماً بخيارات وتوجهات الزوج أو العائلة تحديداً في المناطق البعيدة عن المدن جعلها مقيدة الهدف، حتى وإن كانت تتمتع بالمهارات الكافية، فقل ما نجد نساء مستقلات فكرياً وأداءً يثبتن مهاراتهن في القيادة وهذا ما جعل بعض الفتيات اللواتي في عمر المراهقة ينظرن إلى التحرر على أنه تعر وتفلت. يجب على المرأة أن تأخذ بعين الإعتبار وجود الأحزاب والدين لأن الناس في هذه المنطقة يرون أن طائفتهم وأحزابهم خط أحمر لا يمكن تجاوزهما.
أما الصعوبات التي تواجهها المرأة في تلك المناطق فهي أيضاً لا تفرق عن العاصمة، لكنها أكثر توسعاً بسبب نفوذ الأحزاب. مثلاً تتعرض الفتيات المعارضات إلى التشهير بهن ونشر صورهن وحياتهن الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي. فيبحثون عن أخطاء لها وتفاصيل بهدف الإبتزاز والترهيب، عدا عن التنمر على “أشكالهن”، وهذا ما حصل معي مراراً. حيث أن بعض القرى ما زالت محافظة نوعاً ما، ويظن أهلها أن صوت المرأة لا يجب أن يتعدى حدود العائلة والقرية بأحسن الأحوال. فكيف إذا أرادت أن تكون ناشطة سياسية على صعيد وطن كامل؟
في ظل مجتمع يدعي التطور والعلم والإنفتاح لماذا تعتبر السياسة حكراً على الرجال فقط، وأن المرأة ممنوعة من النقاش والتمسك بمعتقداتها الخاصة؟ التفكير، إبداء الرأي، العلم، التقدم والنجاح ليست بيد فئة محددة من البشر لأننا جميعنا متساوون، والدين لا يمنع إندماج النساء في المجتمع، لككنا نعيش وسط بيئة لا تأخذ من الديانات إلا ما يتناسب مع مصالحها… نعم اخترنا صفوف المعارضة السياسية ونحن أسياد أنفسنا. نعم كرامتنا ليست للتسوية، حريتنا ليست للمقايضة، أفكارنا ليست للرقابة.