مارلين يونس تحاكم فلاديمير جانكليفتش في هدي جمالي

Views: 1335

الجزائر- قمير طالبي

(باحثة أكاديمية وشاعرة)

” يمكن العيش من دون فلسفة، وبلا موسيقى، بلا فرح، وبلا حب، ولكن لن يكون بحقّ عيشا حسنا”، هكذا ختم الفيلسوف الفرنسي ذو الأصول الروسية، فلاديمير جانكليفتش (1903- 1985) كتابه “فلسفة أولى” تاركا الخيط الهادي لمن يحمل العبارة على عاتقه وبين يديه كيما تضيء من الجهات الستّ وكأنها لمصباح ديوجين رديفٌ آخر… 

 

حين ذكّرت الباحثة الفرنسية جُويل هانسل في استهلال مؤلّفها “جانكليفتش، فلسفة السّحر” بأنّه علينا العودة إلى مطارحة فكر الفيلسوف بالمعنى البارثي للكلمة/الفعل، لما تحمله فلسفته الأخلاقية من رؤية يمكنها إنعاش الفلسفة الفرنسية المعاصرة تحديدا وإن كان قد مرّ على وفاة صاحب  كتاب ” بحث في الفضائل” ربع قرن ويزيد، كان رهط من الباحثين والمهتمين بالتركة الفكرية التي ناهزت الأربعين مؤلفا، في الأخلاق وفي الموسيقى، قد عمل على إعادة فيلسوف الهامش إلى الواجهة، بحثا في مقولاته، استئنافا واستشرافا وحتى ترجمات أخذت بفلسفته إلى ما وراء حدود ذيوعه الجغرافي الباهت الصيت والمعالم.

 

 ولعلّ ما صدر مؤخرا للباحثة اللبنانية الدكتورة مارلين يونس يتنزّل في المقام ذاته وبلسان عربي متمكّن من حروفه وممسك بناصية السؤال الفلسفي، ليكون بدوره مساءلة منخرطة في إعادة تشكيل الوعي الأخلاقي والجمالي بالعالم. ليس عرضا احتفاليا بالفيلسوف يحقق الـــ  Buzz وحسب، كون الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية لعام 2020، والموسوم بـــــ: “فلاديمير جانكليفتش، محاكمة أخلاقية في هدي جمالي” بادرة أولى تضيف إلى القارئ وإلى المكتبة العربية اسما ورافدا فلسفيا لا يعرفه إلا نزر قليل، وإنّما لأنّه يعدُّ إسهاما جادا وطرحا ناضجا يروم تفكيك ومن ثمّ إعادة وصل الإطيقي بالإستطيقي كفعل تأسيس وكانبنائية يتصالب فيها المطلبان المشكّلان لوحدة الوجود. 

 

فلئن كان هايدغر يدعونا إلى الإصغاء إلى نداء الحقيقة ويذكّرنا بالكائن المنسيّ الذي تحاول الرواية استعادته والمحاربة ضد تواريه بتعبير ميلان كونديرا، فإنّ ما ينهمّ به جانكليفتش هو البناء الهشّ للكينونة حين يتعلّق الأمر بهذا الإصغاء… فثمة دائما شيء ما ينقص، يذكّر بأنّ الكمال قيمة أولى كما الحبّ فضيلة الفضائل وبأنّ الكائن ينوس في مطلقهما بين الممكن والمحال وبين المتعذر عن الوصف والقول باحثا في ألق اللحظة عن عزاءات تدعم ركائز وجوده المترنّح، وبهذا تكون الموسيقى المدد الروحانيّ الذي لا يصنع غبطة الحياة وحسب ولكن يفتح على المجهول الميتافيزيقي سؤال الكينونة تعالقا روحيا مقدسا… تماما كما يتعيّن على إنسان الأخلاق والجمال الأخذ به مشوبا بحدس فنيّ مترع بسحر اللحظة ونعمة الهبة الإلهية التي تسبغ على وجوده ألقها الفريد بالطريقة عينها التي تُفيض بها نوعا من الجود الملغّز على مدينة كيتييج Kitiège أيضا، مهبط وحي ريمسكي كورساكوف  ومن على شاكلته من الحالمين. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *