لا تخافوا …
الوزير السابق جوزف الهاشم
“لا تخافوا … سنقوم بإنقاذ السفينة ومَنْ عليها ، ولن نجعل أحداً يسيطر على لبنان …” قالها الرئيس ميشال عون في مأدبة غداء أقامتها الرهبانية الأنطونية في بعبدا يـومَ عيد شفيعها … وفوق مأدبة الغداء ينتصب صليب المسيح .
المسيح ، قـال لتلاميذه لا تخافـوا “طوبى للجياع … للحـزانى … للمساكين .. للعطاش ، ووعدهم بملكوت السماوات ..”(1)
ونحنُ ، الجياع والعطاش والمساكين ، نخاف … وليس هناك مَـنْ يضمن لنا ملكوت السماء ، وعلى ملكوتِ الأرض لصوصٌ “وكتَـبةٌ وفرّيسيّون يأكلون بيوت الأرامل ..”(2)
حتى المسيح ، الذي انتصر على الجوع أربعين يوماً في البريّة وتحدّى تجربة الشيطان بالقول : “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان …” ، هو نفسه يصرخ في نـزاعهِ على الصليب : “أنا عطشان .”(3)
نحن نخاف .. نعم نخاف ، لأنّ المدنَّسين من أبناء حواء يسقطون من الفردوس بسبب شهوة الأكل ، ونحن نسقط من الحياة بسبب شهوة الجوع .
نخاف … لأن الأفراح عندنا أصبحت مآتـم …
ولأن الولادات عندنا أصبحت مشروع وفيِّـات …
ولأن الذين يولدون في هذه الأرض لا يُدْفنون عليها …
ولأن أوطان الآخرين أصبحت مستوطنةً في الوطن …
ونخاف ، لأن المدينة الفاضلة أصبحت مدينة عاهرة ، ولأن كلَّ آفـة عندنا ، وكلَّ حقارةٍ ودعارة يسمونها سياسة .
والسياسة عندنا فسادٌ متوارث ، كما الأفيون يُمارَسُ مـرّة ويصبح مِـنْ بعدُ إدماناً ، والإدمان بالفساد على ما يقول أبو العلاء المعري : “عائدٌ الى طبائع البشر وما داموا يتوارثون بالتناسل فالطبائع هي هي ، والفساد هو هو” .
نخاف نعم نخاف ، ما دامت كـلُّ الفواجع والمآسي والفضائح والمعاصي تُرتكب على يـد الذين يُفترَضُ أن يكون بهم الخلاص ، وما دام وزير خارجية لبنان ، يعلن من على سطوح العالم في دولة كندا : “أنّ شركاء في داخل الحكومة يتآمرون على البلد …”
ونخاف … وكيف لا تخـاف الأرانب في مملكة الغاب من مخالب الذئاب .
الخوف في علم النفس يولّد الجنون ، والجنون يولِّد الثورة ، وأَقبحُ أنواع الثورة إنْ شبَّتْ ، أنْ يخوضها اللبنانيون لإنقاذ لبنان من اللبنانيين .
رجل التجارب التاريخية الشيخ بيار الجميل : طالما كان يردّد ، لا يكفي أن تقول للخائف لا تخَـفْ ، بل المهمّ أن يشعر هو في قرارة نفسه بالإطمئنان وعدم الخوف ،
نحن في قرارة نفوسنا يتآكلنا الهلع ، ومخافة أن يؤدي جنون الخوف الى جنونِ الثورة ، لا بـدّ من التقاط بعضٍ من خيوط الأمل ، الآن الآن وليس غداً .
فما لكَ بعدَ هذا اليومِ يومٌ
فإنْ لـمْ تستطعْ لَـنْ تستطيعا .
1 – متى : (5 – 4) – 2 – متى : (23 – 14 ) 3 – متى : (4 – 2 – 4) .
***
(*) جريدة الجمهورية 4/ 10/ 2019