سجلوا عندكم

“ثائر يزرع الأمل” لكلود أبو شقرا، رحلة مشرقة في ذاكرة مبدع من بلادي

Views: 244

ميشلين مبارك

في بلادي، قلّما  يكرم المبدع وهو ما يزال على قيد الحياة. وما أجمل التكريم عندما يأتي من تلميذة نجيبة نهلت وما زالت من عطاءات ادب استاذها المبدع حتى خطت على مثاله.

عنيت بالتكريم كتاب “ثائر يزرع الامل” اضاءات ملونة على فكر جورج شامي للإعلامية كلود أبو شقرا، والصادر هذه السنة عن دار نلسن.

يشرق بداية وهج لوحة الغلاف الرائعة في وجه القارئ. رسمٌ بالماء للفنان المبدع حسن جوني وهو تعبير سامٍ عن معنى الحياة مستوحىً من زقزقة العصافير التي تلّون الكون بالأمل، وما احوجنا للأمل في هذا الزمن.

في الواقع، أتت صورة الغلاف لتعكس المضمون بأمانة عبر سيرة الصحافي والروائي جورج شامي، سيرة ومواقف بهية، غنية، أساسها العزيمة والمثابرة، عمارتها الابداع في الصحافة، والقصة القصيرة والروايات والتأملات.

 

مقدمة الكتاب اختارتها أبو شقرا، بقلم الدكتور امين ألبرت الريحاني، حملت عنوان “سرّ الكلمة التي تنفخ الرميم”، وهو رصد للدكتور الريحاني  نشر سابقا عن الاديب شامي، يعرض فيه عمق رسالة الاديب التي أراد ان يقولها في كتاباته وكيفية ربط الكتابة الفنية عنده بخيوط الشخصيات والاحداث الدرامية لتبقى في النهاية الكلمة الحيّة.

وتقسم الكاتبة أبو شقرا الكتاب الى عدة أجزاء، فتستهل الجزء الأول بـ”مدخل الى عوالم جورج شامي” تعرض فيه جوهر عالمه الحياتي والقصصي من مولده عام 1931 والمراحل الصعبة التي عاشها لإثبات وجوده على الصعد كافة. وفي هذا الجزء ابضا، عرض لفصول تدرجه بالعمل الصحفي أوائل خمسينات القرن الماضي وحضوره القوي في مختلف الصحف والمجلات والمهن التي تبوأ مناصب فيها.

كما وتعرض الكاتبة عشرات المؤلفات للأستاذ جورج شامي مع تواريخ اصداراتها وملخص مضامينها، وهذا برأيي كفيل بإعطاء القارئ صورة عن حياة غنية عاشها الكاتب في فترة حرجة من تاريخ لبنان والعالم العربي، وما لتأثيرات هذه الفترة على انوار الصحافة واشعاعات الادب. 

وليس غريبا عند هذا الرجل، ونحن اليوم في منتصف العام 2020 وعمره قد قارب التسعين، ان يبقى قلمه ينبض بالدهشة والامل ليمنح الحياة عطر الابداع عبر إصدارات جديدة يعمل على نشرها هذه السنة.

في الجزء الثاني من دراسة أبو شقرا، “جورج شامي يقرأ مزاميره” نتعرف على الطفل الذي لم يتخلّ يوما عن قلمه فكانت الكتابة عنده هو الهواء الذي يملأ به رئتيه. وعن ماذا تعلم من امه، ومن والده الذي كان مثاله الأعلى في الصبر والمثابرة. 

وهنا استشهد بمقطع من رسالة كتبها الى امه عام 1974 وردت في الكتاب، يقول فيها: “كم عذبتني دموعي وانا ابحث في بطون الكتب عن حلّ لمسألة كانت أكبر من طفولتي وأكبر من جهلك! وكنت تغمرينني بعينيك الفارغتين اسمع فيهما وارى صدى قهري”.

وتعرض الكاتبة أثر هذه الطفولة في ادب جورج شامي من تحدي الجدران المغلقة الى طوح مبكر وينابيع موهبة تفتحت على المحبة ونبذ الطائفية وما لذلك من ابعاد في رواياته التي حملت ابعادا فلسفية وإنسانية عميقة.

ويأتي فصلٌ “في رحاب المرأة الملونة بألف لون” ليظهر المرأة المبادرة والجميلة والعاشقة والفرحة في أدب جورج شامي. باختصار وكما قالت أبو شقرا “المرأة في سريره هي الأرض، المرأة الى جانبه هي الانسان، والمرأة في قلبه هي المحبة”.

أمّا في الجزء المتعلق بـ”الله والوجود في ميزان جورج شامي” فتشير فيه الكاتبة الى كثرة الرموز المسيحية في اعماله، الاّ انّ هذا لا يجعله متزمتا بل على العكس فالدين عنده هو حوار مع الذات ومع الله.

وتتجلى في الجزء الأخير من الكتاب صورة “المثقف والمفكر وجه لوجه مع العولمة” ليخلص الى نتيجة أهمية بقاء الكتاب اصدق صديق للإنسان.

في النهاية، إنّ ما يميّز هذه الدراسة مصدرها الموثوق المستقي مباشرة من الاديب نفسه، والاضاءات الغنية على شمولية فكره، “ثائر يزرع الامل” لكلود أبو شقرا، رحلة ممتعة، ومشرقة في ذاكرة مبدع من بلادي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *