سوق الذهب
د. جان توما
لماذا تنصرف ريشة الصديق زياد غالب إلى رسم الأماكن في طرابلس؟ والإشارة إلى أبرز رموزها فيما يبرعم أحلامه لتزهر روح المدينة المشتهاة التي كانت.
“سوق الذهب” أو “باب التبانة” أو “باب المدينة” أو سوق البلد ،وهذا البلد كان يذهب إليه الناس من الأقضية المجاورة للتبضّع أو التسوّق، حتى أن بعض ساحاتها أخذ أسماء أماكن الوافدين إليها يوميا ليعيشوا ويعتاشوا. ما زالت ساحة الكورة ومواقف زغرتا بشري وعكار والبترون وبيروت وغيرها تصدح باللهجات المتنوّعة بين ضمّ الحرف الأبجدي نطقًا أو فتحه.
باب التبانة المعجوق زمانًا بأربعين خانًا ( أوتيل)لاستقبال تجار المناطق والجوار، وبسوق تجارة القمح، وبالصناعات الخفيفة الميكانيكية، وبالمستودعات الكبيرة للحبوب وغيرها تتهالك عمرانًا بسبب الحرب وهجرة عائلاته الأصليّة، وتحوّل ركام منازله إلى حزام بؤس للقادمين من الجوار بحثًا عن فرص عمل أو محطة انطلاق إلى عالم متجدّد.
من باب التبانة بوابة الشمال الاقتصاديّة حاولت ريشة زياد غالب أن تشير إلى موقع الوجع في المدينة، “فباب التبانة” ما زال على حاله من زمن الحرب: غياب البنى التحتية، ركام البيوت المدمّرة، لا ترميم لآلاف المنازل والمحلات.
حضرتني قصة ذلك الموسيقي الذي أنهى قطعته الموسيقيّة، لكنه شعر بأنّه لم يقل كلّ ما أراده، فأدخل صراخ الناس على النوتة الموسيقيّة ليفجّر ثورته الداخليّة. هنا بعد أن أنهى زياد غالب لوحته شعر أنّ الصراخ من وجع إهمال “باب التبانة” المزمن لم يصل إلى عمق أعماقه، فنثر الورد الأحمر على قماش اللوحة ليقول : “من الدم ،الذي سقى الركام هنا، ستقوم شقائق النعمان في باب التبانة كما قيامة أدونيس من وجعه إلى فرحه ليستعيد زمن الألق العتيق”.