جوزف أنطون لبكي… مؤرخ قضية لبنان والانتشار الماروني

Views: 454

البروفسور جوزف لبكي (العميد السبق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية) ترك قلمه ورحل بعد حياة مليئة بنتاج فكري أثرى المكتبة اللبنانية بمؤلفات غاصت بعيدًا في التاريخ الشامل السياسة والفكر والاجتماع والاقتصاد… قامة بحثية أكاديمية عالية، حرص البروفسور جوزف لبكي أن يعلي قضية الإنسان ولبنان فوق كل اعتبار، فأرخها بعيدًا عن أي تأثير بيئي وسياسي، وترفع عن أي تعصب، فاتسم نتاجه بالمنطق والعلم والمصداقية الكاملة والشمولية التي طاولت لبنان بجناحية المقيم والمغترب. 

في مناسبة غيابه ننشر في ما يلي كلمة للأديب سهيل مطر حول كتاب البروفسور جوزف لبكي “الانتشار الماروني في العالم واقع ومرتجى” ألقاها في جامعة سيدة اللويزة في 27-6- 2013.

 

سهيل مطر

في بطاقة الدعوة إلى هذا الاحتفال أو إلى هذا المولد، استوقفتني ثلاثة أسماء علم:

الاسم الأول: “مارون”، وكم نحن بحاجة، في هذا الزمن، إلى شفاعة “مارون”، وإلى استذكار رسالته، والسؤال الموجع: إذا عاد اليوم إلينا، هل يعرفنا؟ كم نحن بحاجة إلى مسح الغبار وتنقية النفوس، وتطهير المجتمع اللبناني من الادعياء والمزيفين وتجار الهيكل.

الاسم الثاني: مار “بشارة بطرس الراعي”، وكم نحن بحاجة، في هذا الزمن، إلى حكمته وشجاعته، وقيادته الروحية والوطنية. والسؤال الموجع هو: سيدنا إلى أين؟ وصلنا إلى مرحلة تدفعنا إما إلى عصبية عمياء أو إلى فقدان الأعصاب ولا فرق. اعتمادنا عليكم، اعتماد لبنان عليكم، لا يعادله سوى إيماننا بأنكم أُعطيتم مجد لبنان، كما أُعطيتم وزنات قادرة على الفعل والخلاص. لبنان ينزف، طبقته السياسية، بوجوهها المختلفة، تعاني اختناقًا واستسلامًا وجنوحًا، نحو الفساد والانهيار؛ أما الكنيسة المارونية ففي وجع وقلق، وفي اتنظار كلمتكم وحضوركم. وأصدقكم القول، يا أبانا، أننا نكاد نفقد حتى الأمل. لقد اغتالوا حتى أحلام أطفالنا وأولادنا. فإلى متى؟ نحن معكم، والمجتمع المدني الذي نمثل في جامعاتنا وندواتنا وقرانا، يتطلع إليكم برجاء، وأنتم قادرون.

الاسم الثالث: “جوزف لبكي”، الأستاذ، الدكتور، العميد، الصديق، الباحث، المؤمن، الماروني الصلب، البعبداتي الأصيل، ابن الكنيسة  وأحد أكبر الدارسين في تاريخها ورسالتها. وهو اليوم، يقدم لنا حصيلة تعبه وكدّه، خلال سنوات وسنوات. رغم كل الأوضاع القلقة، رغم كل الصعوبات المريرة، راح يبحث، ينقّب، يقمّش ويجمع. فكان هذا الكتاب الذي اعترف، بكل بساطة، أنه يثير الغيرة والحسد. من أين أتيت يا رجل، بكل هذه المعلومات؟ وكم حرقت من وقت؟ وكم سهرت من ليالٍ؟ كم أوجعت عينيك وأهل بيتك؟ بمحبة أقول لك: شكرًا لك، أنت كبير، والكبار لا يولدون إلا كبارًا، وضخامة الكتاب دليل كبر وإكبار لموازنة ذوي طموح وكبرياء.

تبقى لفظة هي أحد محاور الكتاب: انتشار.

يا صاحب الغبطة،

قادني الفضول لأتعرّف إلى لفظة “انتشار”. ما هو مصدرها؟ ما هي مشتقاتها؟ ماذا تعني؟

وطبعًا، لا حلّ إلا بالعودة إلى المعجم أو القاموس، وتبيّن لي أن الفعل هو “نشر”، بمعنى “وزّع وفرّق”، أو بمعنى “أذاع أو أشاع أو بثَّ خبرًا”… ومن المشتقات كلمة “منشار” وكلمة “منشورات” وكلمة “انتشار”، بمعنى انتشرت الرائحة أو العطر.

جميع هذه المصطلحات، يا صاحب الغبطة، وبكل صراحة، تصح في الموارنة: توزّعوا وتفرّقوا، نشروا وأذاعوا كتبًا وأفكارًا وحضارة. نشروا أعراض بعضهم البعض. كانوا كالمنشار في حق بعضهم البعض أحيانًا، ولا مبالغة، ويا رب اغفر لهم. وكانوا في معظم الأحيان، وهذا ما نشدد عليه، وما نعتزّ به، عِطرًا ورائحة طيبة منتشرة في جميع أنحاء العالم. هؤلاء المنتشرون يتكوكبون اليوم، في هذا الكتاب، ويجتمعون حولكم، يا صاحب الغبطة، وكلنا معًا، نتابع الطريق، ولا نخاف ولا نيأس.

ويا أيها الأصدقاء،

البارحة مساء، وبعد سماع نشرة الأخبار، وجدت فوق وسادتي رسالة شعرية كتبها ولدي “رواد” ابن السابعة والعشرين، وقد استعار لهذه الأبيات الشعرية قائلا:

مع إني عَشِقتُ بلادي حتَّى الجُنون

وحتّى الخطرَ

كَتبتُ اسمها فوق ألف جدار

حفرت قلوبًا لها بالأظافر فَوقَ ضُلوعِ الشَّجر

وَشمتُ خرِيطَتها فوق زِندِي وتَحتَ النَّظر

اتَّخذتُ مفاتِنها قِبلة ومُصلًّى

اعتبرتُ هَواهَا اختِبارًا وحريّةً وقدر

مع ذلك، أَقُولُ:

أُريدُ جَوازَ سَفَر

غدًا يصبح ولدي واحدًا من هؤلاء المنتشرين في العالم. أضف اسمه ورقمه يا أخي “جوزف”، وزد وزد وزد… أللهم احفظ لنا لبنان… بطاقة الهوية، ولو دامعة، أجمل بكثير من جواز السفر.

لهذا، نحن باقون، ولبنان باق…

عشتم وعاش لبنان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *