العالم بين التناهي واللاتناهي عند ابن رشد

Views: 320

وفيق غريزي

إن القول بأن العالم قديم، معناه القول بأنه غير كائن ولا بداية له، ومن ثم، فهو لامتناه، أما القول بأن العالم حادث فمعناه، على خلاف ذلك تماما، القول بأنه كائن ذو بداية، ومن ثم فهو متناه. إن القدم والحدوث لا يعطي سوى جزء يسير من اشكال التناهي واللاتناهي، وهو الجزء المتعلق بالزمان من دون ما يتعلق، من ذلك، بالعدد وبالعظم، أو بالمقدار، لكنه يقدِّم لنا مع ذلك صورة عن الوضع الخاص باشكال تناهي العالم ولا تناهيه ككل، اذ أن حكم الجزء، ها هنا، ينسحب على الكل، لا في تاريخ الفلسفة فحسب، وانما ايضا، في المدينة العربية – الاسلامية عموما، وفي الغرب الاسلامي على وجه الخصوص.

من هنا الاهمية البالغة للنظر في مفهوم العالم ككل، وفي مسألة التناهي أو اللاتناهي بوجه خاص، لدى فيلسوف قرطبة ومراكش ابو الوليد ابن رشد. ذلك انها لم تكن بالنسبة الى الفيلسوف ترفا نظريا خالصا، ولا اسهاما في مراكمة الاقاويل والردود من جهة، والمختصرات والتلاخيص والشروح والتعاليق ومن ثم التأويلات والتبريرات ومستويات الفهم المختلفة من جهة اخرى.

إن الحديث عن العالم بين التناهي واللاتناهي، لدى ابن رشد، يمكن أن يفهم بمعنى المنزلة بين المنزلتين، أي أن العالم ينزل، بالنسبة الى فيلسوف قرطبة، منزلة وسطى، أو انتقالية، بين التناهي واللاتناهي، فهل يمكن الاعتقاد فعلا، بوجود مرتبة مماثلة في العالم؟ هل يجوز التفكير في ثالث غير مرفوع بين التناهي ونقيضه، أي اللاتناهي، بهذا الشان؟

اذا كانت الفلسفة اليونانية قد استحضرت مفهوم اللاتناهي وجعلته موضوعا للتأمل، الا أن ارسطو نفسه، وهو يقر باللاتناهي، لم يعترف منه الا باللامتناهي بالقوة دون اللامتناهي بالفعل، وهو الامر الذي سوف يتم تجاوزه بدءا من القرن السادس عشر مع بعض المناطقة الفلاسفة.

 

تناهي العالم

اذ نتحدث عن قول ابن رشد في تناهي العالم ووحدته، أو عدم تناهيه وكثرته، ومن ثم، عن التصور الرشدي للعالم بين التناهي واللاتناهي، من جهة، وبين الوحدة والكثرة، من جهة اخرى، فنحن نميل، بوجه خاص، على ما يمكن الاطلاع عليه بالطابع الرياضي، أو التعاليم، لمسألة العالم لدى ابن رشد، وذلك بحسب العبارة المتعارف عليها في السياق التداولي العلمي والفلسفي العربي – الاسلامي الوسيط بحسب ما يهمنا في هذا المقام، يقول الباحث الدكتور محمد مساعد: “لسنا نقصد بذلك، الا حالة على نوع من الميول، أو النزعة، الفيتاغورية في الكيفية التي يعالج بها ابن رشد هذه المسألة. معنى ذلك، أننا لا نذهب الى أن الرجل يطابق بين الكوسموس والاعداد، أو بينه وبين الاشكال، فيقول مثلا: إن الكون، أو الوجود بوجه عام عدد، أو نوع من العلاقة الحسابية القابلة لأن يعبر عنها حيث يكون الكون أو العالم، لا عددا وإنما بنية محددة بالعدد “. كما يذهب ارسطو الى ذلك في بعض مستويات فهمه ومناقشته للفيثاغورية، او انه يتماهى مع شكل هندسي محدد، أو مع اشكال هندسية بعينها، كالمثلث وغيره، مثلما جرت به عادة الفيثاغوريين أو الاقليديين (نسبة الى اقليدس) ومن حذا حذوهم جميعا.

ربما يمكن القول إن أبا الوليد ابن رشد قد آل به المطاف، في احدى لحظات تطوره الفكري الخاص بالنظر في العالم وعلاقته بالوحدة والحركة، الى القول بالنزعة الفيتاغورية لينتقل بعد ذلك “من موقف قديم ينتمي باصوله الى تيار فيتاغوري – افلاطوني، وافلاطون محدث يعطي الاسبقية للوحدة على الحركة، الى موقف مستحدث تطبعه روح مشائية قوية تعطي الاسبقية للحركة على الوحدة”.

 

العالم واحد لا كثير

يجمع ابن رشد تبعا لارسطو، كما يقول: ثلاثة براهين على أن العالم واحد منتصرا بذلك، منذ الوهلة الاولى، لمذهب الوحدة، ضدًا على مذهب التعدد، وضدًا ايضًا، على مذهب الثنائية التي يفضل مريدوها القول، على عكس المذهبين معا، بوجود عالمين لا اقل ولا اكثر.

ويشير الباحث محمد مساعد الى أن البرهان الاول يتقدم على أن العالم واحد، لدى ابن رشد، وان لم يكن هو ذاته، يصرح بذلك من برهان الخلف، ذلك أن ابن رشد يفترض في كتابه المختصر، انه أن لم يكن العالم واحد فليكن اكثر من ذلك، وليكن اثنين على سبيل المثال، سوف يلزم عن ذلك أن تكون فيه البسائط الخمسة المعروفة.

ويقول مساعد في كتابه “العالم بين التناهي واللاتناهي لدي ابن رشد” : ” وبما ان المواضع التي تتحرك اليها هذه الاجسام يجب ان تكون هي نفسها، تلك التي تتحرك اليها وفيها، اي حولها، الاجسام البسيطة الخمسة في العالم الذي نحن فيه، او الذي نحن جزء منه، بحسب عبارة ابن رشد في شرح السماء والعالم، وايضا، ما دام العالم المفترض، او المحتمل وجوده، لا بد ان يكون من العالم المعروف، على وضع مخصوص، او في جهة من الجهات، لهذين السببين،اساسا، فحركة الاجسام، من ذلك العالم، الى هذا العالم وكيف ما كان وضعه، او تحيزه”.

سوف يصادر ابن رشد، وهو يقدم البرهان على مجموعة من القضايا والمقدمات منها، على الخصوص، مقدمتان: اولاهما، ان لكل جسم طبيعي حركة طبيعية ووقوفا طبيعيا، مثلما ان له حركة قسرية وسكونا قسريا  والثانية، انه حيث تكون حركة الجسم طبيعية فثمة، ايضا، يكون وقوفه طبيعيا، وحيث تكون حركته قسرية فهنالك يكون سكونه قسريا كذلك .

اما القضايا التي يأخذها ابن رشد هنا ايضا، بدون برهان، فكثير منها افتراض أن يكون العالم المحتمل موازيا للعالم الواقعي في الاسم والحد، ومن ثم موازيا له في الماهية والصورة، ومنها حسب رأي الباحث مساعد، أن تكون الاجسام التي فيه هي نفسها تلك التي في هذا الذي نحن فيه، او في جزء منه، وأن تتحرك هذه الاجسام، بالضرورة، الى المواضع نفسها التي تتحرك لها الاجسام التي في عالمنا، الأمر الذي يقتضي بأن تكون في العالم المفترض المواضع عينها التي في هذا العالم . ويخلص ابن رشد، من عرضه هذه الافتراضات والمجالات والمصادرات، الى انكار امكان أن يوجد عالم ثان آخر، واحدا كان أو اكثر من واحد، سواء في الماضي او في المستقبل، الأامر الذي يؤدي، بالضرورة، الى أن العالم واحد بالشخص.

اما البرهان الثاني فاذا كان ابن رشد يستمده من العلم الالهي، كما يقول في كتابه المختصر، والشرح، او من الفلسفة الأولى، أو ما بعد الطبيعة، وهما العبارتان اللتان يستعملهما، بهذا

الخصوص في التلخيص، فانه يستمد البرهان الثالث من العلم الطبيعي، او المقدمات الطبيعية، لذلك “نفضل ان نقدم في البرهان الثالث على القول في البرهان الثاني الذي يتميز عنهما معا، بانتمائه  الى الميتافيزيقا اولا وبالذات حيث  يقول الباحث: “يتمثل البرهان الثاني على أن العالم واحد، في مختصر ابن رشد لسماء ارسطو، وهو البرهان الذي اقترحنا النظر فيه قبل سابقه، في أن العالم لا يمكن ان يكون اكثر من واحد بالشخص، لأن المادة التي يتشكل منها واحدة وانه يتشكل منها ككل لا من جزء منها فحسب”. ويوًكد ابن رشد ان المادة الحاملة لصور العالم محصورة فيه . ولذلك لا يمكن  ان يوجد منه اكثر من شخص واحد، كما ان المادة التي يتكون منها الانسان مثلا، لو تكوّن جميعها انسان واحد لما امكن ان يوجد منه اثنان بالعدد . فهذا هو السبب في ان العالم واحد في الشخص.

 

 الاجسام الاربعة

من القضايا المركزية التي يثيرها النظر في مسألة تناهي العالم أو لا تناهيه، ومن ثم وحدته أو كثرته، قضية فحص عدد اجرام العالم، أو اجزاءه البسيطة، وهي اجسامه الأولى، أو اسطقساته، فهل هي الاجسام البسيطة متناهية أو غير متناهية؟ وان كانت متناهية فما عددها؟ هل هي اسطقس واحدا اكثر من واحد؟ واذا كان عددها هذا العدد، أو ذلك، فما علة كونها كذلك بالذات لا على خلاف ذلك؟

حسب اعتقاد الباحث محمد مساعد يتخذ فحص هذا الاشكال في بدايته، ومن حيث طابعه العام، منحى يبدو وكأنه ينأى بها، أي بالقول في عدد الاجسام البسيطة، عن السياق الاساس الذي نعتقد انه يندرج فيه، لدى ابن رشد، وهو من جهة أولى سياق الدفاع عن أن العالم في اتجاه تبني القول المضاد، أي أن العالم اكثر من واحد، كان يكون اثنين أو اكثر، وذلك لانه لا يمكن الحديث عن الاسطقسات الا بصيغة الجمع لا المفرد، اما من جهة ثانية،فالقول فًي عدد الاجسام يبدو كانه يتحرك خارج دايرة سياق مسالة تناهي العالم أو لا تناهيه، ومن ثم وحدته أو كثرته. وهو ايضا، بالرغم من طابعه الفيزيائي الظاهر، سياق تعاليمي رياضي، ولاسيما أن يستدعي مجموعة من المفاهيم ذات الانتماء الرياضي في المقام الأول. منها على وجه الخصوص مفهوم العدد، ومفهوما الاستقامة والاستدارة، الى غير ذلك من المفاهيم ذات الطابع الرياضي التعاليمي.

ينظر ابن رشد في قضية عدد الاجسام البسائط، اولا في معرض محاولة اثبات وجود جرم خامس، أو طبيعة بسيطة خامسة، غير البسائط الاربعة المعروفة أي: الارض والماء والهواء و النار، ذلك ما يضفي في بادىء الأمر، على النظر في عدد الطبائع الأول طابعا غير تعاليمي، أو انه يعشيه، على الأقل، بوشاح من الغموض يثير غير قليل من الشكوك في طابعه ذاك.

الجرم الخامس يقول مساعد: “ينخرط بصورة مباشرة، في مطلب تناهي العالم أو لا تناهيه، ووحدته أو كثرته، وذلك من خلال اثبات أن العالم متناه في اجزائه مثلما هو متناه في كليته”.

من هنا، بعد الفراغ من القول في أن العالم تام من حيث هو جسم، كما سنقف على ذلك بقول مبسوط. يقول ابن رشد: “اذ قد ظهر من أمر العالم أنه تام، وانه لا يمكن فيه انتقال الى جنس آخر، من جهة ما هو جسم فينبغي أن نبتدىء بالفحص عن اجزائه البسيطة، ومن هذه اشرفها، وهو الجرم السماوي”.

إننا نقف لدى ابن رشد في كتابه وتلخيص السماء والعالم، كما نقف لدى ارسطو في كتابه “في السماء” على التمييز بين الاجسام الأربعة انطلاقا من الحركة الموجودة لواحدة، واحدة منها بالطبيعة. لكن ذلك لا يتم في السياق الخاص لاثبات وجود هذه الاجسام الأربعة البسيطة، وإنما في معرض بيان أن الجرم الخامس لا ثقيل ولا خفيف.

 

معالم تناهي العالم

اذا كان ابن رشد، لا يقبل، ولا بحال من الاحوال، أن يقال بان العالم غير متناه، وذلك في كثير من القضايا والمسائل التي لا يمكن منها للعالم إلا أن يكون متناهيا، كالعدد والطبيعة والعظم والمكان، فان الهاجس الذي سوف يتحكم في القول الرشدي في العالم عًندما يتعلق الامر بقضايا كالحركة والوجود والزمان ومدى القابلية للانقسام، هو بخلاف ذلك تماما، وهو اللامتناهي. ويرى الباحث أن: حركة العالم والجرم الاعلى، بما فيه من كواكب وافلاك، تحتكم الى الدوام والاتصال، كما أن العالم كله، بجزءيه ما فوق فلك القمر، وما دون هذا الفلك، يتعالى على الزمان، بل أن حركته هي أصل وجود الزمان ذاته، لأنها “دهرية” أي أنها مع الدهر لا مع الزمان، بينما يخضع ما عداها لتقدير الزمان الناتج من وجودها، ومن طبيعة حركتها، وعما عليه هي من خصائص واحوال. من هنا، يمكن اختزال القول في لا نهائية العالم عند فيلسوف قرطبة في محاولة البرهنة على أن العالم، وهي مسألة غير كائن ولا فاسد أولى تحتل الموقع الأخير من المقالة الأولى من كتاب مختصر السماء والعالم، كما تمثلها الجملة العاشرة، وهي ايضا الأخيرة من تلخيص السماء و العالم، والأخيرة كذلك من المقالة الأولى من شرح السماء والعالم.

“على أن النظر المستوفى في هذه المقالة يستلزم فحص بعض المواضع الأخرى من هذه المقالة الأولى نفسها، فضلا عن غيرها من المواضع في المقالات الأخرى من كتب السماء والعالم لدى ابن رشد، بالاضافة الى مواضع غير هذه، من كتبه ومقالاته في غير السماء والعالم، ولاسيما منها كتابا: السماع الطبيعي، والكون والفساد “.

 

بين الجسم والتمام

ينحاز ابن شد في كتابه “مختصر السماء والعالم” الى القول بأن العالم ككل، أو في كليته، متناه في العظم، فيعرض منذ مستهل النظر في مختلف اشكالات العالم ومسائله، للملاءمة، أو التقريب، بين الجسم والعالم، وذلك عبر وساطة فكرة الموافقة بين الجسم والتمام، فاذا كان الجسم وحده، من بين اقسام المتصل، يتصف بالتمام، واذا كان العالم جسما، فالعالم اذن تام فيم انه كما يقول ابن رشد: “قد ظهر من حد الجسم التمام، فمن البين أن العالم، من حيث هو جسم تام” ويمكن اخراج القياس التالي: الجسم تام، العالم جسم، اذن العالم تام.

الخلاصة التي يصل اليها ابن رشد، هي أن العالم بما هو تام، فهو متناه ولا غير متناه. ونحن اذ نتحدث عن اللامكان، أي صياغة هذه الخلاصة، أي امكان أن يكون العالم متناهيا أو غير متناه، فلأن فيلسوف قرطبة لا يقول ذلك بصراحة، فهو لا يتحدث في هذا الموضع من “مختصر السماء والعالم”، عن التناهي واللاتناهي، وانما يتكلم، فقط عن التمام، اضافة الى ذلك فقد يفهم، من عبارة ابن رشد، انه انما يشي بامكان نقيض ما نذهب اليه، أو انه على الاقل، لا ينتبه لهذا الأمر، خاصة في هذا المقام. قد يستفاد ذلك من قوله في نهاية الاستدلال الثاني: “سواء كان ذلك من أجل انه متناه أو من أجل انه غير متناه”. معنى ذلك، أنه اذا اثبتنا العالم التمام، فلا يهم أن كان متناهيا أو غير متناه، بل ليكن، اذ ذاك أي شيء كان، لأن ذلك لا يطعن في أن العالم تام من حيث هو كل لا جزء.

وبما أن الاجرام الخمسة، من حيث هي اجسام، لا تشذ عن القاعدة، اذ يلحقها الفعل والانفعال معا، أو الفعل وحده، فالاجرام السماوية، فاعلة فقط، والاجسام الأربعة فاعلة ومنفعلة في وقت واحد، بما أن الأمر كذلك فلا يمكن لهذه الاجسام أن تكون لا متناهية، لأنها اذ ذاك، أي لو كانت غير متناهية فسوف تسقط عنها هذه الخاصية الاساسية للجسم بما هو جسم، وهي الفعل والانفعال، لكن هذه الخاصية ثابتة لها وغير زائلة عنهاولا مرتفعة ولا في وقت من الأوقات، فهي اذن، ولاضرورة متناهية. ويوًكد الباحث أن ابن رشد لا يكتفي بذلك بل ينكب على فحص القضية التي يتأسس عليها هذا البيان ككل، وهي عدم امكان أن يفعل غير المتناهي في المتناهي أو وأن ينفعل عنه، يعمد ابن رشد الى عزل القضيتين المشكلتين لمنطوق هذا القول، فيبرهن أولا على انه لا يمكن لغير المتناهي أن يفعل في المتناهي، لينبري بعد ذلك للبرهنة على استحالة أن ينفعل غير المتناهي من المتناهي. ذلك ما يجعلنا امام بيانات متعددة يقوم بناؤها الاستدلال على امرين اساسيين هما: الافتراضات النظرية أو ما يسميه ابن رشد بالتوهم، وعلاقة النسبة الرياضية أو التناسب مع ما يقتضيه المفهوم من عمليات منطقية اهمها تغير مواقع اطراف المعادلات، واحيانا اوساطها. واحيانا اخرى اطرافها واواسطها معا. للتحقق من صحتهاالاستدلالية…..

 

معالم تناهي العالم

اذا كان ابن رشد، لا يقبل، ولا بحال من الاحوال، أن يقال بأن العالم غير متناه، وذلك في كثير من القضايا والمسائل التي لا يمكن منها للعالم إلا أن يكون متناهيا، كالعدد والطبيعة والعظم والمكان، فان الهاجس الذي سوف يتحكم في القول الرشدي في العالم عندما يتعلق الامر بقضايا كالحركة والوجود والزمان ومدى القابلية للانقسام، هو بخلاف ذلك تماما، وهو اللامتناهي. ويرى الباحث: أن حركة العالم والجرم الاعلى، بما فيه من كواكب وافلاك، تحتكم الى الدوام والاتصال، كما أن العالم كله، بجزءيه ما فوق فلك القمر، وما دون هذا الفلك، يتعالى على الزمان، بل أن حركته هي أصل وجود الزمان ذاته، لانها “دهرية” أي انها مع الدهر لا مع الزمان، بينما يخضع ما عداها لتقدير الزمان الناتج من وجودها، ومن طبيعة حركتها، وعما عليه هي من خصائص واحوال. من هنا، يمكن اختزال القول في لا نهائية العالم عند فيلسوف قرطبة في محاولة البرهنة على أن العالم، وهي مسألة غير كائن ولا فاسد أولى تحتل الموقع الأخير من المقالة الأولى من كتاب مختصر السماء والعالم، كما تمثلها الجملة العاشرة، وهي ايضا الأخيرة من تلخيص السماء و العالم، والاخيرة كذلك من المقالة الأولى من شرح السماء والعالم.

“على أن النظر المستوفى في هذه المقالة يستلزم فحص بعض المواضع الاخرى من هذه المقالة الاولى نفسها، فضلا عن غيرهامن المواضع في المقالات الاخرى من كتب السماء والعالم لدى ابن رشد، بالاضافة الى مواضع غير هذه، من كتبه ومقالاته في غير السماء والعالم، ولا سيما منها كتابا: السماع الطبيعي، والكون والفساد “.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *