أنا الميناء، أنا المرساة
د. غادة السمروط
راح الزّمنُ يستديرُ ويلتهمُ ما بذرَ من ثوانٍ وساعات. أضاعَتِ الرّيحُ طريقَها، صمَتَ الكلامُ وعادَ الفضاءُ يغنّي للسّكون.
وأنا على موعدٍ مع القلم، ينتظرُني كلّ يوم، أذهبُ إلى لقائه كما مريدٌ إلى صلاته. يجوب بي فضاءاتٍ في النّفس وفي الكون. وأنسى أن أحملَ معي حصى عقلةِ الإصبع، فأضيعُ في العودة. أسلكُ في كلِّ مرّةٍ طريقًا مختلفة. وفي كلِّ مرّةٍ تهبُّ عليّ رياحٌ لا أعرفُ مصدرَها، ولا أدركُ شكلَها ولا لونَها.
أفتحُ ستائرَ الليل، سوادٌ يلفّ الأرجاءَ، تتدحرجُ الأحلامُ فيه صامتةً، سكونٌ في الخارج يتردّدُ سفرًا في الدّاخل. أسيرُ في دربي إليَّ. يعبرُني الوقتُ، تعبرُني ذاتي، وأراني في دوائرَ تتّسعُ، وفي أمواج بحرٍ يمتدّ، أبحثُ عن طريقٍ، عن بابٍ أخرجُ منه، عن منارةٍ أهتدي بنورِها، وأمضي في العودة.
أخرجُ من متاهتي، وأرى الحجارةَ حولي تشتعلُ، يُضيءُ نورُها الأشجارَ ويسيلُ في الأهداب. ثم يعودُ إلى الأرضِ ينامُ في عروقِها. وتعودُ الأحلامُ في ثرثرةٍ وضجيج.
وفي كلِّ لحظةٍ أرى نصًّا يسقطُ، وآخرَ ينبسطُ على صفحةِ الوجود. وبين الاثنين، أتوه، وأفشلُ في أن ألتقطَ كلمةً، أو أقرأَ أخرى، وأُدركَ معنًى.
لكنّي أدركُ، حقًّا، أنّ موعدي مع القلم لا ميناءَ له ولا مرساة، وأنّي أنا الميناءُ.. أنا المرساة !!