الفلسفة المعادلاتية وتحليل العدالة
حسن عجمي
الفلسفة المعادلاتية تعرِّف المفاهيم والظواهر على أنها معادلات رياضية فلسفية. مثل ذلك تعريف العدالة على أنها معادلة رياضية تربط بين السلام والحرية والمساواة والتطوّر بعلاقة فلسفية رياضية.
من الممكن تحليل العدالة على أنها معادلة رياضية على النحو التالي: العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر (أي العدالة تساوي السلام مضروباً رياضياً بالحرية المضروبة رياضياً بالمساواة المضروبة رياضياً بالتطوّر). تمتلك هذه النظرية الرياضية في العدالة فضائل معرفية عديدة تدعم صدقها منها أنها تنجح في التعبير عن المُكوِّنات الأساسية للعدالة ألا وهي الحرية والمساواة والسلام والتطوّر وذلك من خلال اعتبار العدالة معادلة رياضية بين تلك المُكوِّنات.
من دون حرية يفقد الإنسان إنسانيته. بلا حرية يتحوّل الإنسان إلى مجرّد آلة لأنَّ الآلة هي التي لا تتصف بالحرية ما يدلّ على أنَّ إنسانية الإنسان كامنة في حريته. لذلك الحرية لا تنفصل عن العدالة التي تهدف بطبيعتها إلى تحقيق إنسانية الإنسان. ومن دون حرية يمسي الفرد غير مسؤول عما يفعل. لكن الفرد مسؤول بطبيعته الإنسانية عما يفعل. لذلك الحرية ضرورية ليصبح كل فرد مسؤولاً عن أفعاله وإلا انهار المجتمع وانهارت الحضارة. من هنا، الحرية مبدأ أساسي من مبادىء وجود المجتمع ونشوء الحضارة ما يجعل الحرية مبدأ جوهرياً من مبادىء العدالة التي من دونها يزول المجتمع وتموت الحضارات. والمساواة أيضاً جزء لا يتجزأ من العدالة. فمن دون المساواة يُعامَل بعض الأفراد باختلاف عما يُعامَل أفراد آخرون ما يُقيِّد حرياتهم فيُحتِّم اغتيال إنسانيتهم. والمقصود بالمساواة هو المساواة بأنواعها كافة كالمساواة أمام القانون والمساواة في الفُرَص والمساواة الاقتصادية والاجتماعية التي تستلزم نوعاً من أنواع توزيع الثروة في المجتمع لإفادة الأقل حظاً اقتصادياً واجتماعياً.
كما أنَّ السلام ضروري لقيام العدالة فمن دون سلام تَسُود الحروب التي تعتدي بالضرورة على الحقوق الإنسانية كحق كل فرد في أن يحيا وفي أن يكون حُرّاً. بلا سلام يستحيل احترام أية حرية أو أية مساواة لأنَّ الحروب اعتداء على حرية الآخرين وعلى المساواة بين الجميع. أما التطوّر فضروري لبناء العدالة الحقيقية فالفرد غير القابل للتطوّر سجين ما هو عليه وبذلك هو فاقد لحريته.
على ضوء كل هذه الاعتبارات، تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية العدالة على أنها معادلة رياضية تربط بين الحرية والمساواة والسلام والتطوّر بعلاقة رياضية فلسفية تضمن احترام مبادىء الحريات والمساواة وقِيَم السلام والتطوّر من أجل تحقيق العدالة الحقة.
الفضائل المعرفية
من الفضائل المعرفية التي تمتلكها هذه المعادلة الفلسفية فضيلة نجاحها في التعبير عن أنَّ العدالة مسألة درجات. فبما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن متى ازداد السلام والتطوّر وازدادت الحرية والمساواة ازدادت العدالة، ومتى تناقص السلام والتطوّر وتناقصت الحرية والمساواة تناقصت العدالة. وبذلك العدالة مسألة درجات قد تزداد أو تتناقص. ومن فضائل هذه المعادلة الفلسفية أيضاً فضيلة نجاحها في التعبير عن الأنواع المتعدّدة والمختلفة للعدالة. فبما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن السلام يساوي العدالة مقسومة رياضياً بالحرية والمساواة والتطوّر. وبذلك تتحقق العدالة وتزداد متى تحقق السلام وازداد وإن تناقصت الحرية والمساواة وتناقص التطوّر. هذا نوع معيّن من العدالة ألا وهو العدالة كسلام فقط. وبما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن الحرية تساوي العدالة مقسومة رياضياً بالسلام والمساواة والتطوّر. وبذلك توجد العدالة بوجود الحرية وإن تناقص السلام والتطوّر وتناقصت المساواة. هذا نوع ثان ٍ من العدالة ألا وهو العدالة كحرية فقط.
كما بما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن المساواة تساوي العدالة مقسومة رياضياً بالحرية والتطوّر والسلام. وبهذا تتحقق العدالة بتحقق المساواة وإن تناقصت الحرية وتناقص التطوّر والسلام. وهذا نوع ثالث من العدالة ألا وهو العدالة كمساواة فقط. من المنطلق ذاته، علماً بأنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن التطوّر يساوي العدالة مقسومة رياضياً بالسلام والحرية والمساواة. وبذلك توجد العدالة بوجود التطوّر المستمر لكل فرد ومجتمع وإن تضاءلت الحرية والمساواة وتضاءل السلام. هذا نوع رابع من العدالة ألا وهو العدالة كتطوّر فقط. هكذا تنجح معادلة العدالة في التعبير عن أنواع مختلفة للعدالة ما يُعزِّز مقبوليتها وصدقها. لكن تكمن العدالة العليا في سيادة السلام والحرية والمساواة والتطوّر معاً وتحقيق الدرجة العليا من الحرية والمساواة والسلام والتطوّر لأنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر.
العدالة قابلة للتطوّر
تنجح هذه المعادلة الفلسفية أيضاً في التعبير عن أنَّ العدالة قابلة للتطوّر. بما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، إذن لا عدالة بلا تطوّر ولذا لا بدّ من بناء الآليات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الممكنة كافة القادرة على تمكين كل فرد من أن يتطوّر اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإلا زالت العدالة. وبما أنَّ العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، وعلماً بأنه من الممكن تطوير مبادىء السلام والحرية والمساواة والتطوّر كما من الممكن تطوير الممارسات المبنية على ضوء تلك المبادىء، إذن من الممكن دوماً تطوير العدالة. هكذا تتمكّن معادلة العدالة من التعبير عن حقيقة أنَّ العدالة قابلة للتطوّر وبذلك تكتسب هذه الفضيلة الجوهرية ما يدعم قبولها.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن معادلة العدالة أنَّ العدالة قرارات إنسانوية معتمدة على القِيَم الإنسانوية العالمية كقِيَم السلام والحرية والمساواة والتطوّر ما يؤكِّد مجدّداً على نجاح هذه المعادلة وتفوّقها. فإن كانت العدالة = السلام × الحرية × المساواة × التطوّر، وعلماً بأنه لا يتحقق السلام والتطوّر ولا تتحقق الحرية والمساواة سوى من خلال قرارات إنسانوية تُبنَى على ضوء القِيَم الإنسانية العالمية المتمثلة بقِيَم السلام والتطوّر والحرية والمساواة، إذن العدالة أيضاً قرارات إنسانوية مبنية على أساس هذه القِيَم العالمية. من هنا، تنجح معادلة العدالة في التعبير عن أنَّ العدالة قرارات إنسانوية متضمنة للقِيَم العالمية. ولكن القرارات الإنسانوية معتمدة على الإنسان وفاعليته في صياغتها فمن دون إنسان فعّال في عملية إنتاج القرارات الإنسانوية يستحيل وجود تلك القرارات فيستحيل وجود العدالة. هكذا تضمن معادلة العدالة الدور الأساسي والفعّال لكل إنسان في بناء العدالة فبلا فاعلية الإنسان ودوره في إنشاء القرارات الإنسانوية تزول تلك القرارات فتزول العدالة كقرارات إنسانوية مبنية على ضوء القِيَم العالمية. من هنا، تنجح معادلة العدالة في التعبير عن الدور الفعّال للإنسان في صياغة العدالة ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الجوهرية.
العدالة كمعادلة رياضية تتفوّق على أية نظرية أخرى في العدالة لأنها لا تسجن العدالة في مبدأ واحد مُحدَّد فتتحرّر من اعتبار العدالة مجرّد احترام الحرية أو مجرّد احترام المساواة أو مجرّد تحقيق السلام. وهذا لأنها تُعرِّف العدالة على أنها متكوِّنة من المبادىء والقِيَم العالمية كافة كقِيَم الحرية والمساواة والسلام والتطوّر وذلك من خلال ربط هذه القِيَم والمبادىء بعلاقة رياضية مفادها أنَّ العدالة = الحرية × المساواة × السلام × التطوّر.