سجلوا عندكم

يعقوب خبّاز

Views: 1085

د. جان توما

 

ما كان مجرد طابع لرسائل جامعيّة وأطاريح، بل كان خبّاز الكلمات وموسوعيّا، إذ لكثرة ما طبع صار كتابًا متنقّلًا وقارئًا نهمًا  يكتشف أصول المقاطع ، ويعود إلى أمّهات الكتب.

يعقوب المجبول بأبجديات النّصوص في مختلف المواضيع،  يدخل من مفاتيح الكومبيوتر إلى مفاتيح المخطوط، قبل أن يدخل إلى كرومه، يشذب الجذوع ويقطف العناقيد، ويحوّل بنظرته النقديّة والفنّية ما خطّ باليد إلى قطعة إخراج ممنهجة ومرتّبة في خوابي النقش والتزيين.

هذه المنهجيّة التي عاشها يعقوب خبّاز في مكتبه في الحيّ التاريخيّ، في أحد متفرعات ساحة الكورة، تمنّاها سارية على البلد، إذ  باكرًا جدًا كان ينزل إلى طرابلس التي ما كانت تستيقظ إلّا حين يكرج، هو والمكافحون مثله، في أحيائها القديمة التي لم يعرف غيرها، ولم يك يريد أن يعرف إلّاها.

أتعبته حال البلد، أنهكه وضع الطلاب الذين ما كانوا قادرين على دفع كلفة الطباعة وسحب الأوراق، لأنّه كان يعتبرهم من قماشة ثوب حياته، وتعب عمره، وعرق ركضه وسعيه.

كتب يعقوب كثيرًا، ونشر كثيرًا، وقرأ كثيرًا، وتألم كثيرًا لحال البلد. تراه معجوقًا وراء مكتبه بين الكتب الممتدة كأزقّة المدن، بعضها على الرفوف كانتظام الصفّ المرصوص للعسكر، وأخرى مرصوفة على عجل كميليشيات الحرب.

بقي يعقوب على تواضعه وصبحياته مع مصبّات القهوة في ساحات طرابلس، وكان يقرأ في فنجانها ويتأوه. كان يراها مدينة مظلومة، بشعبها ومشاريعها، ولكنه كان مؤمنًا أنّ من يلتزم السكن والعمل في أحياء البلد الداخليّة سيستنهض مقومات البلد يومًا ما، قبل الرحيل أو بعده.

هنيئًا لك ما تركته من بصماتٍ في قلوب وأدمغة كلّ من عرفك من بعيد أو من قريب، يكفيك أنّك رحلت، وألسنتهم تلهج بالرحمة ، وقلوبهم تتحسّر على خسارتك، رجلًا ناطقًا بالحقّ، مدافعًا عنه حتّى الرمق الأخير، ناقدًا لاذعًا للباطل بأسلوبٍ كاريكاتوري لافت….

رحل الآدمي خبّاز الكلمات المصوّرة  لألم الواقع في جريدة البلد ” الإنشاء”.

خرج يعقوب من الكتاب إلى الكتاب، ومن أبجدية طرابلس ووجع البلد إلى حيث الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *