قصّة من ذاك الزمان – أفشر يا غلا…
بيار أديب ضاهر
عرف لبنان خلال الحرب الكبرى (١٩١٤ – ١٩١٨) مجاعة هائلة أودت بحياة ثلث إلى نصف سكّان جبل لبنان (“متصرّفية جبل لبنان” بموجب “بروتوكول” ١٨٦١)، بحسب التقديرات المختلفة، وقدّر ضحاياها بحوالي المليون نسمة في مجمل المناطق العربية التي كانت تابعة للعثمانيين، وذلك نتيجة الحصار التمويني الذي فرضه الأتراك، كما حصار أساطيل الحلفاء من إنكليز وفرنسيين، إضافة إلى الإحتكار والغلاء الفاحش، والجراد الذي أكل الأخضر واليابس.
ولم توفّر المجاعة أرض جدّتي لوالدي، مارينا، أي بلدة إهمج في قضاء جبيل. إذ نتيجة للغلاء، ندر الطحين… لكنّ والدة جدّتي “رحمة” لم توفّر سبيلاً لإطعام أولادها الجائعين، فعمدت إلى الحقول المجاورة تعزق التربة ب “الشاتول” وتلمّ جذوراً بيضاء لنبات شوكي يُعرف ب “العكّوب”، لتقشّرها من ثمّ وتطبخها باللبن الرائب فتصنع منها طعاماً لذيذاً يأكل منه الأولاد، بينما هي تغنّي فرحة:
أفشر يا غلا أفشر
عكّوب باللبن يُقشر
كانّه الغلا شهرين
يكون سنتين وعشرة اشهر!