إلى بيروت
سوزان أبي جابر
(فنانة تشكيلية وأستاذة جامعيّة)
*في ذكرى ٤ آب ٢٠٢٠
إلى الّتي كانت فتاة الشّرق،حوريّة البحر وغانية اللّيل …
****
الدُّخانُ الآثِمُ مزَّقَ ثَوْبَكِ الحَريريّ،
فَبَدا لَهُ عُرْيُكِ مُتَلَوِّياً،
يَنْتَظِرُ قُبْلَةَ الغَسَقِ المَوَرْديّ،
مُتَضَوِّراً، يَقْتاتُ مِن سُباتِ الجَمْرِ عَلى شَفَقٍ رَماديّ.
لامَسَكِ !…
لامَسَكِ، وَالوَحْشُ في أَنْيابِهِ،
عَلى أَظافِرِهِ يُجَرِّحُ جِلْدَكِ،
يَمْتَصُّهُ …
يُدْميه.
لامَسَك، وَالزَّبَدُ الأَبْيَض يَخُرُّ عَلى قَدَمَيْكِ لاهِثاً …
مُتَقَشِّفاً …
مُسْتَرْسِلاً …
وَتُبْعِدينه.
مَهْلكِ بَيْروتَ… مَهْلكِ …
إِنْ عانَقَكِ الشَّوْقُ
وَفَجَّرَتِ الأَرْضُ حِمَماً لاهِبة،
مَهْلكِ …
إِنَّ الفوهاتِ الحَديديَّة لا تَزالُ بارِدة
كَصَقيعِ المَوْت …
كَضَياعِ الطَّريق …
كَلَيْلٍ طَليق …
كَتَلاشي الذّاتِ في الأَثير …
مَهْلكِ …
وَشَعْبُكِ؟ …
شَعْبُكِ واقِفٌ هُنا عَلى الأَبْواب …
أَبْوابِ الضَّياعِ يَسْتَجْدِي اللَّحْظة .
يَداهُ تَعَلَّقَتا في الخَلاءِ …
تُعانِقانِهِ …
تُخاطِبُ أَشْباحَ المَوْجودات،
تَسْأَلُها الرُّجوعَ
فَعودي !…
عودي إِلى مَخابِئِ الضَّوْءِ شُعْلَةً خاطِفة
مِنَ المَدى الهارِبِ …
أُضْحوكَةَ الأَطْفال …
حَنينَ الثَّكالى …
بُشْرَى الأَيّام …
واسْتَقِرّي.
إِسْتَقِرّي وَميضاً عَلى المَوجِ الأَسْوَدِ …
يَتَلاعَبُ هَناءً عَلى الرَّمادِ الأَزْرَقِ …
يَنْبَثِقُ وَفَيْض النَّفْسِ،
إِسْتَقِرّي …
فَسُبُلُ الغَوْرِ في ضَياءٍ مُسْتَشْرِقٍ
تَأْبى الوُلوجَ إِلى هاوِيَةِ العَدَمِ.
بَيْروت …
يا مَسْرَحَ الجُثَثِ المُتَآكِلة،
أَنا وَحُلُمُ اللَّيْلِ تَوْأَمانِ نَمْشي …
وَسُكونُ اللّحَظاتِ مُسْتَبْكِياً.
نَرْتَشِفُ الدَّمْعَ عَلَّهُ يَحِنُّ …
فَيَخُطُّ لِلْحَياةِ لَحْظَةً تائِهة.
أَيُمْكِنُنا؟
أَيُمْكِنُنا أَنْ نَقِفَ هَكَذا في وَجْهِ الزَّمانِ وَنَسْرُقَ مِنْهُ اللَّحَظات؟!
لَحَظات تَعَلَّقَتْ بِحَبائِلِ النِّسْيانِ …
تُصارِعُ اليَدَ الخانِقة …
وَتَنْتَشِلُ الرَّمَقَ مِنْ نِزاعِ الضَّمائِرِ.
أَيُمْكِنُنا؟!
بَيْروت !…
يا ضَريحَ الخَيالِ وَمَثْواهُ الأَخير،
خُيوطُ الفَجْرِ غَصَّتْ عَن شُروقٍ يَجوع …
إِلى دَغْدَغَةِ غَدير …
إِلى مُرور النَّسيم …
إِلى عشْقٍ… إِلى وَلَهٍ… إِلى سَبيل …
فَوَيْلُكِ !…
وَيْلُكِ لَوْ ارْتَحَلْتِ حَمْراءَ
وَابْتَلَعَكِ القَعْرُ العَميق …
وَيْلُكِ! فَخَطيئَتُكِ
يَرْسُمُها الدَّهْرُ لَكِ أَبَداً …
وَمِنْ عَلْيائِهِ تَبْقى …
عَظيمَةً !…