سجلوا عندكم

الموعظة طويلة… والعمر قصير!

Views: 369

أنطوان يزبك

 

العلاقات بين الناس؛ إشكاليات وصراعات، إساءات ومواقف مؤلمة…

ما من إنسان لا يعاني في علاقاته مع الآخرين… والأسوأ الغدر والخيانة.

لا تضلّوا فإن المعاشرات السيئة تفسد الأخلاق الجيّدة (1 كورنتوس 15: 33).

 

أن تعيش في عزلة يعني أن تسقط في عالم من وهم وهستيريا الانتحار، والتبادل المتكافئ في العلاقات، قد يكون أوطوبيا، فعلاقات البشر معظم الوقت ملتبسة، تشوبها المشاكل والمماحكات، والحياة مدّ وجزر، تتبدّل مثل الليل والنهار، النور والديجور، الحلو والمرّ..

يقول ميشال دو مونتين Michel de Montaigne: “لم أرَ في العالم ما يثير العجب والدهشة أكثر من نفسي، ولكني كلما عرفت نفسي زاد عجبي من عيوبي وقلّت قدرتي على تفسيرها”.

ميشال دو مونتين

 

تمثل أمام أعيننا مسائل كثيرة، خاصة تلك التي توصل إلى صراعات ومنافسة وحتى كراهية وغدر. وفي المحصّلة الشعور بأن الفرد محاصر ولا يمكنه الوثوق بأحد. ألم يقل البعض إن ذلك كله يحصل بسبب نزاعات نفسيّة دفينة لها تفسيرها، وأن ثمة روحًا داخليّة، نزقة قد تكون شيطان الغفلة الذي يلعب بالعقول ويتحيّن ساعات الضعف ليفجّر القنابل الموقوتة بشكل غدرٍ قاتل مدمّر قوامه الخيانة!

ونسأل: لماذا الخيانة مؤلمة إلى هذه الدرجة؟ وهناك مواقف وأمثلة معبّرة؛ يحكى أن اللورد بايرون فقد كلبه، ولما دفنه نقش على شاهد القبر هذه الكلمات:

“هنا ترقد رفات من كانت صفاته جمالا بغير غرور وقوة بغير صَلَف، وشجاعة بغير شراسة”.

من يقرأ عن اللورد بايرون ومدى حزنه على كلبه يطرح السؤال: “كم تألم هذا الشاعر الرومنسي الرقيق من البشر، حتى اصطفى كلبه من بين المخلوقات الآدميّة والحيوانية، لكيما يوجه محبته وعاطفته نحوه ويؤلمه فقدانه له ويعتبره أمرًا عسيرًا. يحزنه موته أكثر من حزنه على إنسان مهما كانت أواصر القربى معه!!

اللورد بايرون

 

غدر الأصدقاء وطعنهم في الظهر من أصعب التجارب، فالغدر من شيم النفوس المريضة، الضعيفة، الحاسدة. يقتل الحسد صاحبه بلا ريب الذي يصوّر له غباؤه أنه منزّه عن المخاطر وعن أي مكروه.

لو يدرك صانعو الشر فداحة أعمالهم لآثروا الصمت والعزلة..!!

يقول الإمام علي رضوان الله عليه: “من ضيّع الأمانة ورضيَ بالخيانة فقد تبرّأ من الديانة”.

لا دين للخائن ولا وجدان ولا شرف، ولا ناموس يتحصّن ببنوده. قيل:

“لا تيأس من وحدتك، فهي المكان الوحيد الذي تضمن فيه عدم خيانتك”.

أبو العلاء المعري

 

في ظني أن صاحب هذا القول ذاق مرّ الخيانة لدرجة أنّه آثر بعدها اعتزال الناس، والعيش وحيدًا كما قال أبو العلاء المعري:

أَنِستُ بِوَحدَتي وَلَزِمتُ بَيتي    

              فَطابَ الأُنسُ لي وَنَما السُرورُ

فَأَدَّبَني الزَمانُ فَلا أُبالي

             هُجِرتُ فَلا أُزار وَلا أَزورُ

وَلَستُ بِسائِلٍ ما دُمتُ حَيًّا     

         أَسارَ الجَيشُ أَم رَكِبَ الأَميرُ…

الإمام الشافعي

 

من عانى الغدر يدرك قيمة المعاناة المترتبة من جراء ذلك، ومقدار توجّع هكذا ارتكابات تقتل الصداقة والمودّة في الصميم، ويزخر الشعر العربي بهذه الأمثال  كقول الإمام الشافعي:

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ً

               فلا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا

ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ

             ويلقاهُ من بعدِ المودَّة ِ بالجفا

وَيُنْكِرُ عَيْشاً قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ

               وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا

سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا

             صديق صدوق صادق الوعد منصفا…

وعلى جمال الشعر العربي، فلنحافظ على جمال الصداقة والمودّة ونتجنّب الخيانة والغدر ، ونختار بعناية من نعاشرهم، حتى لا نسقط في محظورات ونندم.

لنعش عمرنا بالمحبة والمنطق والمعرفة والعقل ولنتذكر دائمًا قول شمس الدين الحافظ: “الموعظة كانت طويلة، والعمر قصير”.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *