سجلوا عندكم

في الذكرى الثامنة لرحيل مي نعيمه “الملاك الحارس” لميخائيل نعيمه

Views: 111

في الذكرى الثامنة لرحيل ميّ نجيب نعيمه (١٥ كانون الثاني – شهر ١- ٢٠١٤)، إبنة أخ ميخائيل نعيمه و”ملاكه الحارس” – كما كان نعيمه يسمّيها – يفتح منزل-متحف سهى في المطيلب (الذي يحتوي على ويشهد على آخر ٢٠ سنة من عمر نعيمه ومن حياة الميماسونا: ميخائيل، ميّ، سهى، نعيمه) أبوابه أمام الأحبّة في ١٥ شهر ١، كانون الثاني، ٢٠٢٢، من الساعة ١١ صباحاً حتى الساعة ٦ مساءً تخليداً لذكرى ميّ ولروحها الطيّبة الطاهرة…

في المناسبة  ننشر مقالا للأستاذ خالد حميدان يتذكّر فيه لقاء جمعه بمي في منزل ميخائيل نعيمه في الزلقا منذ خمسين سنة ولا تزال أصداء هذا اللقاء تتردّد في وجدانه لغاية اليوم. 

“ميماسونا”: ميخائيل ـ مي ـ سهى

 

 

خالد حميدان يكتب / من ذاكرة الأيام

تورنتو في 15/ 01/ 2022

 

خمسون سنةً بالتمام والكمال انقضت، على اليوم الذي التقيت فيه السيدة الفاضلة مي نعيمه للمرة الأولى في منزل الزلقا وقد كنت على موعد مع عمها “الكبير ميخائيل نعيمة”. كانت ترحب بي وتذكرني بالاسم وكأنها تعرفني منذ زمن في وقت كنت فيه مضطرباً بعض الشيء بانتظار اللقاء (التاريخي) الذي سيضمني إلى القامة الكبيرة. لم أكن قد التقيت تلك السيدة من ذي قبل علماً أنه كانت لي زيارة سابقة إلى هذا البيت الكريم برفقة الصديق الأديب والشاعر جوزيف حنا الذي شرفني وقدمني إلى الأب الروحي ميخائيل نعيمه “طيب الله ثراه”. وما أن بدأنا بتناول الحديث حتى دخلت علينا إلى قاعة الجلوس طفلة دون الرابعة من العمر باكيةً راكضةً إلى حضن تلك السيدة عرفت فيما بعد أنها تدعى “سهى” وهي إبنة “مي نجيب نعيمه”. كما عرفت أن السيدة مي تقيم بشكل دائم مع إبنتها في بيت عمها هذا، الكائن في بلدة “الزلقا”، منذ بعض الوقت. (https://fujifilm-x.com/) وكان عمها قد ذكر اسمي أمامها وطلب منها استقبالي ريثما ينهي مقابلة كان يجريها معه أحد الصحافيين.

لا بد من ذكر الحفاوة التي قابلتني بها السيدة مي في أول لقاء وقد ترك في نفسي أثراً بالغاً، بالرغم من أنه كان “لقاء الغرباء”، ثم الابتسامة الرقيقة التي لا تفارق وجهها وهي تتحدث أو تصغي إليك. ولا يخفى ما لهذا من تأثير إيجابي داخلي عندما تقابل أحداً للمرة الأولى.. كان هذا في مطلع العام 1972. وتوالت اللقاءات فيما بعد في كل مرة كنت أزور فيها الكبير نعيمه حتى الأشهر الأولى من العام 1975 حيث اضطرتنا الحرب الأهلية (الحضارية) إلى الانقطاع والإنكفاء كل في منطقته بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث. رحل الكبير ورحلت مي ولا زلت أنا في طابور الانتظار، ليس أملاً بعودة اللحمة بين اللبنانيين وهذا أمر قد حسم على ما يبدو، بل ربما لأشهد على انهيار لبنان وسقوط الجمهورية..

خلال تلك السنوات القليلة، شرفني التعرف إلى معظم أفراد عائلة نعيمه الأقربين وبينهم الكاتب والباحث الدكتور نديم نعيمه ابن أخ الأديب والفيلسوف ميخائيل نعيمةه وكانت لنا جلسات مع معظمهم. وقد قمنا برحلة ذات مرة إلى “الشخروب” الواقع في أعلى الجبل في بسكنتا برفقة “الكبير” الذي كان يحدثنا ويشرح لنا عن كل زاوية في المكان.

لا شك أنه كانت تشد “كبيرنا” الأواصر العائلية وهو الذي كان ينظر إلى الجميع بعين المحبة الصافية إلا أن عائلته الصغرى التي كانت تعيش كل لحظاته والمؤلفة من مي وسهى، هي التي كانت تشغل الحيز الأكبر من اهتمامه. وقد اختصرت سهى مؤخراً اسم العائلة هذه بكلمة “ميماسونا” وهي كلمة مركبة من أسماءٍ ثلاثة: ميخائيل ـ مي ـ سهى.

وفي العودة إلى السيدة مي، طيبة الذكر، ماذا عساي أن أقول فيها وهي التي تعدت حدود الوصف والتوصيف في أبهى حلة من الصفاء الروحاني. كانت توحي بالثقة والطمأنينة لمجرد النظر إليها إذ كان يفيض وجهها بالبراءة والمحبة وتعلو محياها البسمة الدائمة علامة الرضى والحمد، ومن دون أن تدري ترفع معها كل الحواجز لتبوح بما لديك من أسرار.

أحفظ للسيدة الكريمة كل الحب والتقدير وقد تركت في نفسي أثراً طيباً رافقني طيلة رحلة العمر أذكره وأتذكره اليوم وقد مضى عليه خمسون عاماً.. هكذا هي الحياة عندما نستسلم لأقدارها: نبكي ظلمها ونحيا هناءها بدون إرادة أو تصميم منا، فلا هي البدايات التي نتوقعها ولا النهايات التي نريدها على حد قول الإمام علي..

ستبقى السيدة مي ماثلةً في ضمير وذاكرة كل من عرفها رغم مفارقات الحياة. بعضُ لحظاتٍ طارئةٍ نعيشُها في حيرةٍ وذهول، كنسمةٍ عابرةٍ ضلتْ طريقَها. نقولُها للحبِّ الذي ضاع بين السطور، للوقتِ الذي غابتْ عنه المسافات.. للآلام التي تقيمُ الفراقَ سداً وتعترضُ الحياة..   في معرض حوار مطول ذات مرة مع الكبير نعيمه حول واقعة الموت والحزن الذي يلحق به، قال: إنه القدر الذي لا بد منه والحقيقة التي لا جدال فيها. حياة الإنسان هي كتابٌ مقدمته “الولادة” ونهايته “الموت” وكلا الواقعتان ضروريتان لوحدة الكتاب. فإذا كان يعجبنا الكتاب فمن الطبيعي أن تعجبنا البداية والنهاية. فلماذا نفرح للولادة ونحزن للموت..؟؟     

***

الصورة الرئيسية: من أرشيف د. ميخائيل مسعود، من الأصدقاء المقرّبين جدًّا من نعيمه

– ميخائيل نعيمه وابنة أخيه ميّ نجيب نعيمه وابنتها سهى، العائلة الواحدة عائلة الميماسونا، التي سكنت في منزل نعيمه بالزلقا، في إحدى حفلات التكريم التي تخلّلت المهرجان الأدبي لميخائيل نعيمه، الذي أقامه الرئيس الراحل الياس سركيس، خلال أسبوع كامل من شهر أيار، شهر ٥، من سنة ١٩٧٨.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *