أغاني الطفولة
د. جان توما
اليومَ أكملتُ سَنتِي الأولى برُتبةِ جَدّ.
أضاءَ ” ماتيو” منذ سنةٍ فتيلَ عُمْرِنَا بزيتِ البركةِ. حَبَوتَ وَمَشَيْتَ ونحن نتابعُكَ عبر شاشةٍ افتراضيّة. كم غنّينا لكَ كي تسمعَ أصواتَنا على وترِ حرماننا نموِّكَ في بيتِكَ وأرضِكَ وعائلتِكَ الكبيرة!
لقد شطَّ المزار بيننا وبين أولادِنا وأحفادِنا، فما عادَ الأجدادُ والآباءُ يَنعَمَون برؤيةِ طفلٍ يُكَرْكِبُ البيتَ، يقلبُ الطاولاتِ، يبعثرُ الأغراض. صارَتِ البيوتُ مرتّبةً إذ سادَهَا ضجرُ الكبارِ في انتظاراتِهم.
لم تعد الشيطنةُ المحبَّبَةُ توقِظُ القلبَ، وتزيدُ النَبْضَ ، ولا يشفيها إلّا هدهدةُ أغنيةٍ لطفل، أو تأتأةُ صغيرٍ في أوّلِ الكلام.
“ماتيو”، تعالَ نَسْتَعِدْ في وحدتنا أصابعَ يديْ أبيك، أصبعًا أصبعًا، ثمّ نرسم سوارًا على معصمك، تعال عرِّشْ أصابعنا لتدغدغكَ فتضحكَ، ويضحك ُ البيتُ والعمر.
كنا نأمل أن نكرّرَ اللعبةَ معك، لكنّ الغربةَ أخذتك بعيدًا من زوايا الدار وفرائد الحارات التي نشأتْ بها أجيالُ عائلتك. أخشى أن يغني كبارُ العمر في بلدي:
“باحْ يا باحْ، راحْ العمر راحْ، ومضى الوجه إلى الغربة واستراحْ”.
أُرْنُ إلى عيونِ والديك، سترى فيها التماعاتِ أحياءِ الميناءِ والبلد.
أُدْنُ، تلقانا نتأمل فَرِحين بخطواتِك الأولى، وتهجئَتِكَ الأولى، وكنا نتمنّى لك أن تسيحَ في أزقة مينائِنا التاريخيّ، حيث ذكرياتُنا تلهو وتجتاحُ الساحاتِ العتيقة.
بوجودك نعيشُ الفرح كلَّ لحظة افتراضيًّا، وبانتظار احتضانك واقعيَّا وتجديد أغاني الطفولة -التي رنّمها لنا الأهلُ لتبقى في أُذنيكَ مسيرةَ عمرٍ وانبساطَ حياة_ نعيش حياتَنَا التي لوّنتَها بحركاتِ ريشةِ تعابيرِكَ وبملامِحِكَ وبساط أحلامِكَ، فتأخذُنا إلى رحابِ الجمالِ والدُّنيا الأحلى.
٨ آذار ٢٠٢٢