الحلقة السابعة عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(١٧)
الرجعي أم التقدّمي؟ لا هذا ولا ذاك أجاب حسيب. ولكن في الحقيقة وصفني ناصر بالرجعي من دون أن يكون له الحق في ذلك.
⁃ وأنت وصفت ناصرًا بالتقدّمي. أيحق لك ذلك؟
⁃ يا أستاذ رفيق أنا كنت في حالة دفاع مشروع عن النفس.
⁃ وهل كان في الأمر قتال في ما بينكما؟
⁃ كلا. كان مجرّد حديث.
⁃ ولِمَ وضعت نفسك قي حالة الدفاع طالما أن الأمر مجرّد حديث.
⁃ ربما لأني شعرت نفسي مُستَفَزًّا.
⁃ لماذا؟
⁃ اتهام ناصر لي بالرجعي استفزّني. فهو يعتبر نفسه ورفاقه أنهم قادرون على تغيير كل شيء. ويتعاطون معنا وكأنهم فلاسفة سياسة هذا الزمان، وأنهم يسعون الى إصلاح النظام وإحداث إصلاحات اجتماعية و سياسية واقتصادية. في حين أنهم يناصرون قضايا خارج نطاق البلاد. هم يعتقدون جهارًا أنّهم يسعون الى التقدّم بالمجتمع ويتحدثون بمنطق يكاد أن يكون ثوريًا. لذا وصفته بالتقدّمي تهكّمًا وليس من باب المدح. في حين أنه أساء إليّ بوصفه لي بالرَجعي.
⁃ ألا تحبّذ الإصلاح يا حسيب؟
⁃ من منا لا يحبّذ الإصلاح؟ ولكن من خلال المؤسسات. وليس من خلال الاستعراض الثوري.
⁃ وأنت ماذا ترى؟
⁃ أنا أرى الإنتماء الى الوطن أولًا وأخيرًا. أترى في ذلك رجعية ما يا أستاذ رفيق؟
⁃ أأنت عامل مطبعة أم ناشط سياسي؟
⁃ أنا أقرأ الكتب وأتعلّم منها.
⁃ يا حسيب لك الحرية في ما تؤمن به ولكن أرجوك أبعِد حنا عن متاهات السياسة فهذا الرجل يسعى ويتعب من أجل تعليم ولده. أما مسألة المدرسة واختيارها فقد عملتُ على حلّها، حتى أن حنا أراد أن يختار مدرسة لولده تعلّمه اللغات كما نصحته أنت بذلك. دَع حنا يعمل ودَع الولد يتعلّم.
(يتبع السبت المقبل)
***
*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء