سجلوا عندكم

الحلقة الثالثة والأربعون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 84

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

(٤٣)

 

في منزل الاستاذ رفيق في القرية جلس حنا منزويًا ينتظر فرصة للاختلاء بالاستاذ الذي كان يجالسزوّاره الذين اعتادوا اللقاء به كلّما زار القرية.

كان حنا يصغي الى الأحاديث الدائرة في بيت الاستاذ ويدرك تمامًا أن هذا اللغط السياسي الذي باتيسمعه بصورة دائمة سينتج عنه أمر جلل.

في الماضي، كان حنا يقول في نفسه ما لنا وما للسياسة، فمهما حصل أنا وعائلتي بعيدون عنهاوسنكون في مأمن. أما الآن فقد اختلف الأمر فولده أصبح منخرطًا في عمل حزبي، وبات يدرك أنه فيحال حصول أي انتكاسة في البلاد ستكون عاقبتها وخيمة عليه وعلى عائلته.

-ما بالك مهمومًا يا حنا؟

-يا استاذ أنت تعلم كل شيء.

-أدخل الى غرفة المكتب يا حنا.

في غرفة المكتب كاد حنا أن يجنّ جنونه عندما سمع من الاستاذ رفيق عن شائعات تسري في البلاد عنتدريب الأحزاب للحزبيين المنتمين إليها على السلاح بشكل سري.

-علينا أن نتعامل مع الموضوع بهدوء يا حنا. كُن حَكيمًا في التعامل مع بحر وحاول أن تربحه بالحوار.

-أيّ حوار هذا يا أستاذ؟ لقد حاولت أنت أن تحاوره ولم تفلَح في التوصل معه الى نتيجة.

-يا حنا ولدك حاورني من الندّ الى الندّ وحاول أن يجادلني بما لُقِّنَ به من أفكار ومبادئ. أريد أنيكون حوارك معه حوار الأب مع ابنه. لا تجادله في السياسة حاوِل أن تغمره بعطف الأب ومن دونمواعظ، خُذه باللين يا حنا، فالتشدد معه لن يفيدنا بشيء.

-وكيف لي أن أعرف منه ما اذا كان قد خضع لدورات تدريبية؟

-بالحوار يا حنا بالحوار. لا أستطيع أن أضمن لك النتيجة. دَع والدته تفعل ذلك من الممكن أن يخبرهابما يفعل.

انتهت عطلة نهاية الاسبوع في القرية وقد كانت صعبة على حنا وزوجته، إذ أن الحوار مع ابنهما بحرسريعًا ما تعطّل بعد انطلاقه في ما بينهم.

عاد الأب وابنه الى العاصمة وقد لازمهما الصمت طيلة الطريق من عاصمة المحافظة الى العاصمة.

ولدى وصول حنا وولده الى الساحة المركزية للعاصمة تفرّقا واستقل كل واحد منهما سيارة أجرة منطلقًاالى وجهته النهائية.

قبل أن يتفرّقا قال حنا لابنه:”ما بَدّي وَصّيك” ابتعِد عن السياسة يا بحر وانتبه الى دروسك الجامعية.

كان حنا قد توصّل الى قناعة ذاتية بأن ابنه أصبح منغمسًا في السياسة لكنّ قلب الأب كان يشير عليهبالاستمرار في المحاولة علّه يعيد ابنه الى “طريق الصواب” الذي يعتبر أنه مشاها طيلة حياته.

عانق حنا ولده وعيناه تغرورقان بالدموع وعلى الرغم من المعانقة أحسّ حنا بأنّ انسلاخ ولده عنه قدحصل.

في صباح اليوم التالي ترك حنا مركز عمله وتوجّه الى الجامعة  ليطمئنّ على أحوال بحر، فلم يجده فيالجامعة حيث أخبره بوابها بأن صفوف الهندسة فيها قد تمّ تأجيلها لمدّة أسبوع حيث أن مؤتمرًا داخليًالدكاترة الجامعة منعقد فيها. فتوجّه حنا الى الغرفة التي يسكنها بحر فلم يجده لا هو ولا رفيق مسكنه فيها. (glasshousefarms.org)

لدى مغادرة حنا المبنى السكني للطلاب التقى بطلاب آخرين يسكنون ذات المبنى فسألهم عن بحرورفيقه.

تردد الطلاب في الاجابة على سؤال حنا. وأخيرًا تشجّع أحدهم على الكلام وقال:”طِلعوا دَورة مع الشباب”.

(يتبع  غدًا)

***

*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *