“السقوط”… هل تمنعُه بضع شمعات؟
أنطوان يزبك
من الناس من يستسلم أمام الصعاب ويلقي اللوم على الرب الخالق في ما يواجه من نكبات ونوائب، وعندما تستفسره عن موقفه هذا، يجيبك بالتالي:
تسير وحيدًا في درب يرسمها الآخرون، تعيش شكوكا قاتلة؛ تقرر الاختلاط مع الآخرين على قاعدة العلاقات المادية والمصالح ولا شيء غير ذلك؛ مادة ولذة ولهو ومرح؛ بيد أنك تصاب بخيبات قاتلة، وتعتريك مشاعر من القهر والهزائم المريرة التي تعلق في الحلق على شكل غصة وحريق زجاج مطحون يكوي داخلك، تخسر ، تنهزم ، تحزن ، تبكي ، تعاني المرارات ، تذوق أعنف لحظات القهر والمذلة!! فما العمل إذن؟!
يقول سبينوزا: “البراهين هي الأعين التي تبصر بها الروح !” إذًا خير جواب على التساؤلات يبقى البراهين.
من يعتبر البرهان خدّاعًا ومضللاً يجب أن يكون من المادة الصرف، نجيبه بالتالي : حتى تلك البراهين النابعة من المشاعر ، هي حقيقية وصادقة ، على الأقل من وجهة نظر من جرّبها..
قبل أن يتوجه إلى المطار للقيام بأحد أسفاره زار الكاتب الكبير غابريال غارسيا ماركيز والدته لوداعها، فبادرته أمه؛ “سوف أضيء لك الشموع أمام مذبح الكنيسة حتى لا تسقط طائرتك وتعود إلينا سالمًا”..
ضحك ماركيز لتوّه من سذاجة والدته وطيبة قلبها وبساطة تفكيرها، فقال لها مداعبًا:
بضع شمعات يا أمي تمنع طائرة وزنها بالاطنان من السقوط !
إجابته الوالدة على الفور:
لا تمزح يا ابني ، بالأمس سقط لأخيك تركتور عملاق يزن بالاطنان هو الآخر في واد سحيق، وقررت الشركة المقاولة تركه حيث هو لاستحالة انتشاله أولا وثانيا بسبب الكلفة العالية لهكذا أشغال، فبكى شقيقك لأنه سيخسر كل مدخراته التي استثمرها في هذا التركتور!..
عندها أضأت الشموع وبدأت بالصلاة ، وخلال نصف ساعة وبعد محاولات عسيرة تمكن اخوك من تشغيل المحرك وأخرج التراكتور من الوادي السحيق!
هي الصدفة أم قوة الإيمان، هي قوة لا مرئية أم لعبة قدر لا نفهم شروطها أو تفاصيلها؟ هو الله يقرر في لحظة ما مصائر البشر محددًا تفاصيلها الكبيرة والصغيرة ؟
ثمة قوة وسلطان، طاقة تعم كل هذا الوجود ، تفوق قدرتنا على الفهم ومهما حاولنا لا نستطيع أن نتخطّى، حكمة الرب الخالق وتدبيره لهذا الكون..وأمام مصائبه لنتسلّح بالأمل والتفاؤل، كتب الشاعر والمفكر ثورو ذات مرة: “إن تقدم أحدنا بثقة باتجاه أحلامه لكي يعيش الحياة التي تخيّلها، سوف يلتقي بنجاح غير متوقع في ساعات عادية”…
إذًا النجاح ليس ببعيد، بل هو في الزوايا وخلف المنعطفات ، ولن يتأخر حتى يطلّ وتبزغ شمسه..
في الختام ، يقول حافظ الشيرازي:
خذ الحياة كما تأخذ هذه الكأس
والابتسامة تعلو ثغرك
ولو كان قلبك ينزف
لا تتأوّه مثل آلة العود
وأخف جراحك!