رحيل وجيه فانوس (1948-2022)… خِسارة للحركة الثقافيّة وللبنان وللأمل
سليمان بختي
أحيانا يكون الموت ضربا من ضروب القتل إذا ما قيس بالقدرة على العطاء وحاجة الزمن والناس الى تلك الجهود اليانعة.
ينزل خبر غياب الأكاديمي والباحث والناقد والمناضل وجيه فانوس( 1948-2022) ثقيل الوطأة وأنت تكاد لم تنته من قراءة مقالته الأخيرة التي نزّلها إلكترونيا قبل ساعات”من ملامح التجربة الأوروبية في البحث عن الحرية” وكأنها الحرية وصيته الأخيرة.
على مدى الصداقة المفتوحة معه لم يخيب لي وجيه فانوس ظناً فقد كانت إيجابيته ومرحه يسبقانه الى كل أمر وكل قضية وبينهما نظرته الثاقبة الى موضوع البحث.
اشتركنا معا في ندوات عديدة وعن كبار مثل عبدالله العلايلي وعمر الزعني وخليل حاوي ومنح الصلح وجوزف حرب وغيرهم.
وكان آخر تعاون لنا في كتاب “قصائد خليل حاوي الأخيرة” بالتعاون مع عائلة حاوي لكتابة مقدمة، ولكن…
زرته في مكتبه في المركز الثقافي الإسلامي في رأس بيروت. ضحكنا أكثر مما اشتغلنا. قال لي إنه يكتب كثيرا في هذه الأيام، وإن مكتبته غنية ومنكب عليها. تحدث عن بيروت بوجع وألم.
تذكر كيف دخل الى مكتب خليل حاوي في الجامعة الأميركية ليحل محله في تدريس مادة النقد وشهق باكيا حين رأى في فنجان قهوته الرماد الأسود.
أهداني كتابه المؤلف من جزءين “أصالة ومعاصرة” وشعرت وأنا أغادره أن الكلمتين على الكتاب هما وجيه فانوس نفسه، وعلى الباب قال:” ما بدنا ننسى ميشال جحا”.
قبل اسبوعين إتصلت به هاتفيا وهنأته على خطبة إبنه فضحك وقال:” الزواج بره..” وقارن بين الخطبة في الأمس والخطبة اليوم، وأردف “قولك هالقد كبرنا”.
ولد وجيه صبحي فانوس في برج ابو حيدر عام 1948 وتلقى تعليمه في مدارس المقاصد ونال الثانوية العامة من مدرسة رمل الظريف 1967.
أكمل تعليمه في الجامعة اللبنانية في الأدب العربي وعلوم التربية من كلية التربية.
حاز الماجستير علم 1973 وموضوعه “عمر الزعني وشعره” .
انتخب عضوا في مجلس الطلاب في كلية التربية 1969-1971.
درس التاريخ والآثار في كلية الآداب وحصل لتفوقه على منحة من الجامعة للدراسات العليا. وصلت المنحة من جامعة كامبردج ففرح وجيه لأنها جامعة أستاذه الشاعر خليل حاوي. قال له حاوي:” يا معلمي اللي علمني بكامبردج مات.. خلينا نشفلك محل تاني”. تحولت المنحة الى جامعة أوكسفورد، وكان فانوس أول طالب لبناني من الجامعة اللبنانية يتخرج من أوكسفورد بشهادة الدكتوراه في النقد الأدبي المقارن وموضوعها:”ملامح المساهمة اللبنانية في النقد الأدبي العربي” 1980 .
ولدى عودته عين استاذا محاضراً في الجامعة اللبنانية حتى تقاعده.
وفي الجامعة اللبنانية كان الى جانب التدريس ممثلا للأساتذة ومديرا للفرع 1986-1990 ورئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في الكلية لست سنوات.
حاضر في الجامعة الأميركية وبيروت العربية والمدرسة الحربية، وكان مستشاراً لرئيس الجامعة الإسلامية في لبنان.
شغل أيضا منصب رئاسة حلقة الحوار الثقافي ورئاسة اتحاد الكتاب اللبنانيين 2015-2019 ورئيسا لندوة العمل الوطني، ورئيسا للمركز الثقافي الإسلامي، وكرسي محمود درويش في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم.
له أكثر من 20 مؤلفا في النقد والسيرة ومنها كتابه القيم “دراسات في حركية الفكر الأدبي” (1991).
ولطالما إعتبر فانوس أن النقد هو نتاج مركّب ينهض على تفاعل المعرفة والحضارة والثقافة والفكر والتعبير والجمال.
كتب فانوس للإذاعة “حكاية عمر” (صوت الوطن) و”موزيكا يا دنيا” (صوت الشعب) و”قضايا وآراء من حكايات العرب” (صوت الجبل) .
مع رحيل وجيه فانوس تخسر الحركة الثقافية في لبنان ركناً من أركانها، وتخسر بيروت وجهاً طيباً علمياً وثقافيا ًواجتماعيا، ويخسر لبنان طاقة طيبة من العطاء واملا يحدوه ابتسامة الأمل.