سجلوا عندكم

محمد علي شمس الدين (1942-2022)… ودّع الشعر والكلمات وانتظر نسمة صيف

Views: 285

سليمان بختي

طوى الشاعر  محمد علي شمس الدين (1942-2022) شراعه ورحل.

كانت امامه القصائد والكلمات  وكان الهواء  يتناقص والفسحات تضيق.

كان بينه وبين قصيدة الحياة سطر اخير فكتبه بلا كلمات ولكن برؤى كثيرة واحزان.

منذ كتابه الاول”قصائد مهربة الى حبيبتي اسيا”1975، ومنذ ظهوره في لجنة الحكم في برنامج ستوديو الفن في السبعينات لفت  اليه الانظار بفصاحته وأفكاره العميقة وبالالقاء المميز لقصيدته.

كنت التقيه مصادفة في شارع الحمراء  عابرا ممتلئا جزلا كأنه خرج للتو من لدن قصيدة جميلة اتعبته وراح يغنيها.

نقف ونتحدث عن شعر الارض وقمح السماء. وغالبا اترك له الكتب في مكتبة انطوان للمشوار القادم لافاجأ انه في غضون يومين قرأها مسددا افكاره النقدية.

 

تشاركنا معا في عدة ندوات  واذكر منها واحدة في دار الندوة عن كتاب”همسات” لاملي نصرالله واذكر انه قال شيئا جميلا  عن جمرة الشعر وحطب النقد.

لبث محمد علي شمس الدين على جهده الخلاب في كتابة القصيدة الحمالة الاوجه وعلى جلب الدهشة والخوارق في الوهج وفي الحركة وفي الغنائية الملتبسة بالحزن والشجن والتاريخ.

ظل الجنوب يعنيه بكل ما فيه هو الذي ولد في بيت ياحون ونشأ  في عربصاليم والنبطية. وكان يستذكر تلك الاجواء ويستحضرها في كتاباته. صوت الأذان  الصباحي والاناشيد الدينية ودروب القرى واشجارها واماكنها ومدارسها.

انتقل لاحقا الى بيروت الى الجامعة اللبنانية ونال اجازة في الحقوق عام 1963 وعين مديرا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولكنه استمر منكبا على المعرفة الدراسية الاكاديمية حتى نال شهادة الدكتوراه في التاريخ.

 

 والملفت ان في كل عناوين كتبه ودواوينه هناك حركة واشارة الى عبور مثل “قصائد مهربة الى حبيبتي اسيا” 1975 و”غيم لاحلام للملك المخلوع”1977 و”أناديك يا ملكي وحبيبي”1979 ويقصد بالملك المتنبي ويقصد بالحبيب جبران. وهو لطالما شغف بالمتنبي والمعري  والشريف الرضي. ومن الشعراء الحديثين محمد الماغوط واحترام عميق لتجربة شوقي ابي شقرا الشعرية.

عام 1981 اصدر” الشوكة البنفسجية ” وفي السيرة كتابالطواف” 1987 و”طيور الى الشمس المرة “1988 و” اما آن للرقص ان ينتهي” 1992 و”يحرث في الابار” 1997 و “منازل النرد” 1999 و”ممالك عالية” 2003 و”شيرازيات” 2005 وديوانه الجميلاليأس من الوردة” 2009 و”اميرال الطيور” و”النازلون على الريح”2013 و”كرسي على الزبد” 2018 و”غيوم في المجرة” و”يكون سيفك للبنفسج مائلا “2013 و”ينام على الشجر الاخضر الطير” 2021  و “للصبابة للبلبل وللملكوت” 2021 وكتب “رياح حجرية” و”حلقات العزلة” و”الغيوم التي في الضواحي” و”غرباء في مكانهم ” و”العودة الى المنزل”.

 شغلته في قصائده  الايقاعات والصور المكثفة واسئلة  الوجود الكبرى وهموم الارض ومقاربة الرموز التاريخية العربية والاسلامية. ولكن جذبته في اعماله وقصائده الاخيرة الصوفية الى مناخاتها. وكان لا يتوقف عن السير ابدا ومثلما وصف نفسه تماما” انا ابن المطر والتراب والسير الذي لا ينتهي على قدمين”.

كتب محمد علي شمس الدين قصيدة التفعيلة والقصيدة الموزونة وقصيدة النثر .

وهو من الشعراء القلائل  في لبنان والعالم العربي  من الذين كتبوا للاطفال في “كنز الصحراء” و “قصة ملونة”. كما لحنت بعض قصائده للاطفال. وكذلك غنى وليد توفيق قصيدته “آه زينب” في فيلم “من سيطفئ النار”   1982 اخراج محمد سلمان، ونقتطف منها :” لو صاح الديك على هذه الكرة الأرضية/ لعرفنا سر الصوت/ لو أن الفجر تأخر ثانية عن موعده لنجونا/ لكن الموت آه زينب”.

 

تنبأ محمد علي شمس الدين  برحيله ذات يوم ذات شتاء وكتب شعرا مودعا :” وداعا أيها الشعر/ هب شتاء عاصف / ورأيت بأرض حديقتنا/ شبحا /يمشي / فخرجت / فلم أبصر/ إلا نعشي”. 

كان محمد علي شمس الدين يتهيب الشعر في هذا الزمن ويعتبر ان الشعر اليوم في” حال من التشظي والتجريب المفتوح على كل الاحتمالات. هذه ميزته ومنها ياتي الخطر”. ترجم شعره الى الاسبانية والفرنسية والانكليزية. وصدرت أعماله  الكاملة في مجلد واحد.

واخيرا يبدو ان الشعراء والمبدعين في بلادنا لا يموتون بل يقتلون وينفجرون ويقعون من القطار لعدم قدرتهم على تحمل كل هذا القهر والاسى. فلا عجب ان يكتب محمد علي شمس الدين شعرا.

انا لست قويا حتى تنهرني بالموت.

يكفي ان ترسل لي نسمة صيف فاوافيك

وتحرك لي اوتار الموسيقى

لأموت وأحيا فيك 

هذا ألمي 

خفف من وقع جمالك او فوق فمي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *