في ذلك المساء

Views: 449

د. جان توما

 

حين تمّدد وجع الوطن، وارتاح جسده، انفجرت جراح الناس، وتأوهت الأرض.

سقط الإنسان في معصرة البارود، وطحنه حجر البيدر، وصارت حبات خبز للجائعين.

من يضخّ النبض في الشرايين الموجوعة، والقلوب الواجفة، والركب المخلّعة، والجلد المتطاير شهًبا في سماء الألم.

كان جسدي مرتاحًا عند الشطآن، فمن رفعه على صخرة التأوه والقلق والاضطراب؟ من نشر رائح البارود، بعد أن جزّ كرمة العنب، وخلّع شروش الياسمين النائمة عطرًا على أسوار بيوت العائلات الهانئة؟

بقي الباطون مرتفعًا حين هوت الأجساد وتناثرت الأشلاء. من يردّ الابن الضائع إلى أمّه؟ من يعيد الزوج إلى عينّي حبيبته؟ بل من يعيد ابتسامة الأطفال إلى الثغور العفويّة بعد أن أسقط الحاقدون في ذلك المساء الثغر البحري الضاحك المبتسم؟

راح الشاطىء، وأخذ معه سفينة الرحيل الراسية عند الرصيف. في ذلك المساء كان الغروب مبكرًا، والشمس لملمت غلالتها بهدوء، وانصرفت لينفجر العتم في وجه النهار وندخل في ظلمة الوجع والأنين والسؤال : ماذا حدث؟

سيبقى جسدي هنا على هذه الصخرة لتقوم بيروت بعظمة أبنائها،  والوطن بألق أولادها، بنفرة الشريان وضحكة الصبيان وأمل الأهل بعودة ما راح إلى الأجمل والحلم الآتي.

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *