فيليب كميد… “أديب المحاكم”

Views: 734

المحامي معوض رياض الحجل

 

لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيل الأديب جان فيليب كميد، أقامت جامعة الروح القدس – الكسليك وأسرة الراحل قدّاسًا إلهيًّا لراحة نفسه، في كنيسة الروح القدس في حرم الجامعة في الكسليك، تلاه إعلان جائزة جان كميد للتفوّق الجامعي في مكتبة الجامعة، أثناء احتفال منبري نظّمه “مركز فينيكس للدراسات اللبنانية” في الجامعة، في حضور رئيس اتحاد بلديات كسروان – الفتوح رئيس بلدية جونية، جوان حبيش، نقيب محرّري الصحافة جوزف القصيفي، الأب جاد القصيفي، ممثلًا رئيس الجامعة الأب طلال هاشم، ومديرة مدرسة العائلة المقدسة في ساحل علما الأم داليدا الحويك، إضافة إلى عائلة الراحل وأبناء بلدته وأصدقائهم وعدد من الأدباء والشعراء والفعاليات الروحية والثقافية والتربوية والاجتماعية.

تكريم االأديب الراحل جان كميد يدفعنا من حيث ندري أو لا ندري إلى الحديث عن الأب المؤسس، أي الاستاذ فيليب كميد (والد جان) الذي يُعتبر من أبرز الشعراء والمحامين من أبناء زمانهِ، وقد رَحلَ باكراً عن عمرٍ يُناهز 57 عاماً قبل تمكنهِ من اعطاء أهل الثقافة والفكر كامل أنتاجهِ وأبداعهِ الأدبي والفكري…

الشاعر المحامي فيليب كميد

 

ولادتهُ ونشأتهُ

المُحامي الشاعر فيليب كميد، الذي فرضَ نفسهُ كشخصية أدبية وقانونية لامعة، ولدَ على الارجح، في العام 1882 في مدينة جونيه الكسروانية. والدهُ الخوري يوحنا كميد، أما والدتهُ فمن عائلة الحايك في بيت شباب – المتن الشمالي. تلقى علومهُ في مدرسة دير “الرومية” بالقليعات فأتقن اللغة والأدب والبيان والبديع والعروض وشيئاً غير قليل من التاريخ، فضلاً عن العلوم الدينية واللغة السريانية. ثم أقبلَ على دراسة الفلسفة العربية، وتمكنَ منها. وأنقطع للتعليم في عدة مدارس بضعة أعوام.

 دَرسَ الحقوق وأنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت بتاريخ 28 تشرين الثاني 1919 بعهد أول نقيب للمُحامين الاستاذ وديع دوماني ومارسَ مهنة المحاماة. عَملَ مدة مع الشيخ يوسف الخازن في تحرير جريدة “الارز”.

من أقرباء الاستاذ فيليب كميد، العلامة الأب أنطوان يمين الشبابي واضع قاموس الحقوقي وقاموس التجارة ومعجم مثلث اللغات: عربي – فرنسي –أنكليزي. فقد كان يزور بيت قريبه في بلدة جونية بصورة مُتكررة، فيوافيه اليه عشاق علمهِ والمحتاجون إلى سماع أرائه في مُختلف الدعاوى الكنسية وغيرها.

مَارسَ فيليب كميد مهنة التعليم في مدرسة “بير الهيت” – بلاد جبيل، فكان فيها أستاذ البيان. في هذهِ السن تبلورت مواهبه في الشعر والخطابة  ثم عَادَ إلى كسروان مُدرساً في بلدة طبرجا لينتقل، بعد مدة ، إلى التدريس في زغرتا. عندما أندلعت الحرب الكبرى، أضطر للعودة إلى منطقتهِ مستوطناً بصورة نهائية في جونيه، دارساً الشرع والقانون على يدي ميخائيل عيد البستاني وشربل التحومي إلى أن أجيز لهُ بمزاولة مهنة المحاماة، فظل يُمارس المهنة بشغف وأتقان حتى رحيلهِ المُبكر في السابع عشر من كانون الثاني 1939.

الجانب الادبي من أبن الخوري كميد يتنوعُ بين الشعر الصرف، والتمثيليات الشعرية والتاريخ الشعري على عادة القدماء، والخطابة وتدريس الأدب والبيان.

شهادة الحقوق الخاصة بفيليب كميد، والتي نالها سنة 1919

 

مسرحه الشعري

أعطى في المسرح الشعري رواية “فرنسيكادا ديمتي”، في خمسة فصول، تدور حول موضوع غرامي تاريخي.

 وقد نَجحَ الشاعر في الحوار الشعري وفي المواقف المسرحية، إلى جانب قدرتهِ على تطويع الموضوع المسرحي للشعر.

التمثيلية تدلُ في مقاطعها على الشاعرية الملائمة تماماًمع شروط كتابة المسرحيات التي كانت صارمة في عصرهِ، ولا تتحمل أي خروج عليها.

التاريخ الشعري

أما التواريخ الشعرية فقد نظمَ منها جرياً على عادة أهل زمانهِ، وهي تقومُ على نظم قصيدة وختم أبياتها ببيت تُذكر فيه كلمة (أرخ) أو (أرخوا) أو (التاريخ) ثم تكون بقية البيت بعد هذه الكلمة مؤلفة بحروفها لرقم السنة التي نُظمت فيها القصيدة، أو المناسبة التي تتناولها. أما كيف تؤلف الحروف ارقاماً؟ فإن كل حرف في الالفباء يحملُ رقماً بترتيبهِ الابجدي، ومن مجموع هذه الحروف يجب أن يتألف رقم السنة.

أما شعرهِ العادي فمنهُ الغزل والمُناسبات والوطنيات، والشيء الملفت  أن فيليب كميد في تلك الفترة المُتقدمة من الزمن، التي عاش فيها، أعطى شعراً مُتحرراً من العمود التقليدي فكان مُجدداً، أو بالأحرى من رواد الحركة الشعرية الحديثة.

“أديب المحاكم” مع نجله جان

 

أديب المحاكم

في المحيط اللبناني الشاسع لمعت في النصف الأول من القرن العشرين أسماء عدد من المُحامين الكبار أمثال جبرائيل نصار ويوسف السودا ويوسف جرمانوس وجورج يزبك وفؤاد الخوري وأميل لحود، وفي محيط جونيه وكسروان لمعَ نجم كل من فيليب كميد وبولس مراد وأبراهيم بركات “المشروقي” الذي تعاطى الصحافة في مصر زمناً ثم آب الى لبنان يُتابع فيه رسالة الصحافة والشعر والمحاماة.

أما مراد أبو نادر، الجزيني الذي أتخذ من بلدة جونيه الكسروانية مسكناً نهائيا لهُ، فقد منعهُ عملهُ كقاض من اظهار مقدرته العالية في مجال مزج القانون بالبلاغة، اذا كان عليه أن يلفظ الاحكام لا ان يلقي المرافعات كما يفعل المحامون، ولكن عندما تقاعد أسس مكتب محاماة وعادت العبارات المسكوبة ذهباً تطوف على لسانهِ.

هذا الرباعي من ” أدباء المحاكم” كما كانوا يسمونهم ، كان وحدهُ المعروف في نطاق جونية وجوارها.

في الخطابة كان فيليب كميد من ذوي النبرة الآسرة، تشدُ السامع اليها فينجذب ولا يسأم ولا يمل. وقد أسعفتهُ هذه العارضة حتى أستحقَ لقب “أديب المحاكم”. وكانت لهُ بفضل ذلك منزلة كبيرة عند قضاة تلك الأيام ومن بينهم بولس سلامة، وأحمد تقي الدين وشارل الخوري حرب وسامي الصلح.

لقطة من القداس الذي أقيم في جامعة الروح القدس – الكسليك لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لرحيل الأديب جان فيليب كميد

 

أدبه وترجماته

أما التعليم فقد مارسهُ في مدارس كانت مشهورة في زمنها كمدرسة ” بير الهيت” و” الرومية”. وهذا ما أهلهُ ليكون في ما بعد أديباً ناثراً ومُعرب مسرحيات نثرية على الاخص. وقد عَربَ مسرحية “أستير” لراسين.

 ترجمة المسرح الغربي كانت في وقت من الاوقات العمل الدائب لأدباء عصر النهضة، حتى شاركَ في مثل هذه الترجمة، شعراء مثل خليل مطران، وأدباء من وزن فرح أنطون وطانيوس عبدو.

حركة الترجمة هذه تشهد في ترجمة “أستير” على يد فيليب كميد، عملاً أدبياً كاملاً من حيث اللغة والمضمون. ومن الواجب أضافة هذا الأثر إلى ما لدينا من ترجمات لأدب الغرب ليحتل بينها المكانة التي يستحق.

إلى جانب رواية “أستير” ترجمَ رواية “سيجسمون”، وقد عرّبها عن اللغة الايطالية لأن أديبنا، الذي أوشكَ أن يصبح كاهناً، أتقنَ في دراستهِ الكهنوتية اللغتين اللاتينية والايطالية.

والرواية الثالثة هي “أريكوس” في ستة مشاهد وموضوعها تاريخي يَدورُ حول الاستشهاد في سبيل الايمان.

تبقى مسرحية رابعة أسمها “غضن البان”، وتشيرُ بعض الكتابات إلى أنها مُثلت في أوائل القرن العشرين في قريتهِ ساحل علما، وبعض المدن اللبنانية.

أما الكتاب الوحيد المطبوع لفيليب كميد فهو “طرف المحاسن في تهنئة سيادة الاباتي لويس الخازن”. والاباتي المذكور هو المطران يوسف الخازن، أبن ساحل علما وبالتالي مواطن فيليب كميد الذي كان يعتزُ بمن أعطت بلدته من ملافنة وأحبار ترأسوا المناصب الكنسية الرفيعة وصولاً إلى السدة البطريركية. وهذا الكتاب يضمُ مجموعة القصائد التي قيلت في تهنئة الحبر الخازني عندما تسلّم رئاسة كرسي الرئاسة العامة للرهبانية الحلبية المارونية (الرهبانية المريمية اليوم)، وبينها عدة قصائد لجامع الكتاب نفسهِ، وأحداها لشقيقتهِ مرتا كميد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *