سهاد شمس الدين في قصيدة “هل تعلمون كم يرتفع وطني عن سطح البحر؟”… سريالية الشعر والوطن

Views: 388

أنطوان يزبك

 

ولي وطن آليت ألا أبيعه

وألا غيري له الدهر مالكا

ابن الرومي

 

تدخل سهاد شمس الدين بنظرة شوق واندفاع كبير،  إلى الوطن وذلك من شرفات الصباحات الشتويّة ، ومن إشراقات أيام الشتاء على الرغم من الأجواء الداكنة، والغيوم الملبّدة ومن خلال سؤال يذكّرنا بدروس الجغرافيا ، أيّام الصفوف الأوليّة وحياتنا المدرسية نحن الصغار في بداياتها، لنكتشف أن سؤال: كم يرتفع وطني عن سطح البحر؟ سوف يدخلنا في ارتفاع سريالي وشواهق عدميّة من ابراج الغمام والأحلام، وشيئا فشيئا سندلف إلى فضاء لا متناهٍ يشبه الرواية والحكايات التي تتناول اقاصيص البقاء على حدّ السيف في عصور سوداء زائلة كما هبوب الرياح واشتداد الأعاصير! 

ترى سهاد إلى الكتابة وسيلة الهروب إلى جزيرة أو مكان ما بعيدا عن صدأ الحياة، تذكرنا بما قاله لويس اراغون ذات مرة عن الكتابة: “نسهر نفكر بكل شئ ولا شئ في آن؛ نكتب الشعر ، نكتب النثر لأن علينا تجزية الوقت بانتظار النهار الآتي”..

هل على سهاد الانتظارايضا و أيضا بصبر وتسليم  لذلك النهار الآتي؟ ام أنها تريد السفر والانطلاق إلى بلاد جديدة ،وتخوض مغامرات جديدة ، مستكشفة أماكن بعيدة لكي تكتب قصيدة فرح زاهية وملوّنة لاقواس قزح وشعر يقيم عرشه فوق  المسافات المترامية ويحتفل بالكون وتراتيل الوجود والولادة، فالجارة الجميلة ستلد باقة أزهار في محاكاة للأنوثة والجمال واستمرار الحياة في وطن متعب ونازف حتى آخر حطبة في الموقد ، حتى اخر ثمالة  في كأس النبيذ هذه الكأس التي كانت مترعة بالحب والآمال والرؤى المبشّرة بكل خير وحق وجمال!

في مقدمة مجهولة الكاتب لمجموعة شعرية للشاعر الغنائي الفرنسي جاك بريفير يقول المقدم المجهول: “يستطيع الشّعر أن يولد من الكلمة كما يستطيع أن يولد من الصورة، كما أيضا يستطيع أن  يولد من تمازجهما أو أن المشاعر تستولد اللحظة الشعرية، طالما أن الشاعر يتحول إلى كتلة من الإحساس”.

سهاد شمس الدين عاشت كل هذه الأحاسيس وغنت الوجود وبنت مراكب بيضاء استعدادا للرحيل، وقد يقول قائل إنها لم تبحث عن مغريات المعنى ، بيد أنها ذهبت إلى صور تعبيرية تتحدى المشهد السريالي الذي نعيشه في وطننا كل يوم !

تذكرنا سهاد بما قاله انسي إلحاح: “لقد سقط برج بابل وتشرّد أبناء نوح، وفي قاع هذه الظلمة المهولة من أعماق لبنان المحروق مختنقا في صميم الظلمة ما زلت أستطيع اللجوء إلى جزع في تراب قلبي يحميني من الذوبان”.

رحل الرائي انسي الحاج رحل نبي الكلمة محاطا بالسواد والظلمة الحادّة ، بيد أن سهاد تبشر من خلال  كلمات شعرها بقدوم صباحات مشرقة عبر  الركون إلى فعل الكتابة فتقول :

لنغادر مع المغادرين على الورق …

إلى حيث نخطّ بأناملنا كلمات تسمّى في قاموس الهاربين

من صدأ الحياة

الشعر…

وأنا بدوري أقول مع سهاد أجل نستطيع أن نغنّي اغنية جديدة للحب والحياة ؛

اغنيتنا الجديدة

هي أن لا نبقى في العتمة

ان لا تسبقنا إلى الضحى

رفوف الطيور

ولا خرير المياه

ولا غناء السواقي

ان تبقى الكلمة منارة

في غياب الأوطان

وسقوط الآلهة…

 

سهاد شمس الدين هي كل هذه الانزياحات والانفراجات في زمن يشبه لوحة  سريالية من لوحات سالفادور  دالي في أعتى ساعات جنونه!..

***

 

هل تعلمون كم يرتفع وطني عن سطح البحر؟

يرتفع إلى حيث تخرج الآه من الصدر

وإلى حيث نخطّ بأناملنا كلماتٍ

تسمى في قاموس الهاربين من صدأ الحياة

الشِعر….

فاليوم …

أخبرني طائر غريب

أن جارتي الجميلة حبلى

وستلِدُ عمّا قريبٍ باقةً من الأزهار

وبأن جاري القريب

أشعل معطفه الوحيد

 ليتدفّأ أطفاله

وجاري البعيد

 شرِب كل ما لديه من النبيذ

لينسى السفر

فالشوارع الآن في وطني

مُتخمة بالمطر

لكنّ بيوت اليباس مُضاءة

وعيون الأمل تحمل ألف خبر

والغد سيكون رائعاً…

فعند الفجر سيكون لدينا ألف بائع

واحدٌ سينادي تعالَوا إليّ

واركنوا إليّ …فأنا الوطن

وآخر سيُنادي

أنا خبز الصباح

 وفنجان قهوة محروق على الحطب

وكُثُر سينادون على أنّهم بائعو ورق

ربّما لنرسم وجه من نحب بقلم رصاص

ونمحوه ساعة نشاء

أو ربّما لنصنع مراكب بيضاء

تأخذنا إلى جُزُر القمر

وربّما سيكون الشتاء مُلهِماً

لنُغادر مع المُغادرين على الورق

لكن لا يهُمْ…

فوطني يعلو عن مستوى البحر

إلى حيث تخرجُ الآه من الصدر

وإلى حيث نخطّ بأناملنا

كلماتٍ تسمى في قاموس الهاربين

من صدأ الحياة

الشِعر…..

(س.ش)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *