المرأةُ وخَتمُها بالشَّمعِ الأحمر (بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة)
الدكتور جورج شبلي
عندما يُدركُ الرَّجُلُ أنّ ميراثَ الأرضِ في الناسِ سَوِيٌّ، وأنّ السّماءَ أمَدّتنا، وبدونِ تفرقة، بالصّلاحِ الذي فينا، وأنّ الكرامةَ الإنسانيّةَ يتفيَّأُ الكلُّ ظلَّها، لأنها فضيلةٌ تنبتُ في اللَّحمِ والعَصَب، ساعتذاك، يَعلَمُ أنّ المرأةَ مُلحَةٌ تمتزجُ بأجزاءِ النّفوسِ لنَفاستِها، وأنّ، في صيانتِها، ارتياحاً مُقيماً، وإِنْ سقَطَتْ فالحزنُ ضَروس.
المرأةُ ليسَت ستارةً تخفي وراءَها محرَّمات، وهي ليست أرضَ الجحيم حيثُ العزلةُ، والإنحرافُ، وأعراضُ الهفوات، إنّها زهرةٌ تتألّقُ في شجرةِ الخَلّاب، إذا انحرفَ عنها سُلوكُ مَنْ يقودُ النّاس، في مجتمعِنا الشَّرقيّ، فذلك يؤدّي، حتماً، الى إعاقةِ النَّسَقِ الإجتماعيِّ عن القيامِ بوظائفِه، ما يُنتِجُ خيبةً إحباطيّةً على مستوى التقدّمِ، وتَمدينِ الجَماعة، واستحالةِ الإنتقالِ من واقعٍ غارقٍ في التّقاليدِ البائدةِ الى الفردوسِ المنشود. وهذه مُعضلةٌ تستوجبُ إحداثَ تغييرٍ في النّموذجِ الذّكوريِّ التّقليديِّ المُطَبَّق، من خلالِ ورشةٍ إصلاحيّةٍ تشاركُ المرأةُ في إعدادِها، وتنفيذِها، ومن شأنِها أن تَسبرَ سِيَرَ المساواةِ، والعدالةِ، والحريّة، ليستقيمَ دَورُ المرأةِ في صنعِ القرار، وفي تصحيحِ الأوضاعِ، ورَتقِ الهوّةِ في أرضيّةِ العلاقاتِ المُتهاويةِ، لمَنعِها من السّقوط.
لطالما كانتِ المرأةُ، في مبادراتِها الواعية، تشكّلُ قفزةً نوعيّةً لمواجهةِ الخلل، وطليعةَ فكرٍ نَهضَويٍّ يؤسّسُ لمشاركةٍ موضوعيّةٍ في كلِّ مندرجاتِها، تُحفِّزُ على صحوةٍ متنوّرَةٍ تعملُ على تنميةِ المجتمعِ، وتمتينِ معادلةِ الحقوقِ والحريّات، وفي مقدّمِها نُصرةُ حقِّها، ومواجهةُ الإقطاعِ الذّكوريّ، والتّمييزِ العنصريّ، وديكتاتوريّةِ العصبيّةِ، بجرأةٍ تخرقُ تأبيدَ الفُروقِ التي أدّت، وتؤدّي، الى الظّلمِ، والتخلّف.
عندما زرعَتِ المرأةُ قلبَها في حنانِها، نَبَتَ قلبُها في قلوبِ الناس، وأعطاها بُعداً وجدانيّاً متجاوزاً، وكأنّه رسولٌ في أمّة، يحملُ همومَها بنقاءِ نفس، ويبشّرُ بعودةِ الخيرِ الكامنِ في الإنسان، قبلَ أن يشوّهَهُ الإنسانُ بنفسِه. وبذلك، كانت المرأةُ كبرى الفضائلِ في عمارةِ البشريّةِ الجائعةِ الى الحقيقةِ، لتُشبِعَ فيها النَّهَم. من هنا، على المجتمعِ أن يفاخرَ بانتمائِهِ الى المرأةِ التي كانت تجلّياتُ انتفاضتِها قسطاً موصولاً في إشاعةِ أجواءِ النَّعيمِ في مجتمعِ النّاس.
المرأةُ ليسَت شِراعاً ممزَّقاً في بِركةِ الحياةِ المتموِّجة، إنّها، في حقيقةِ كرامتِها، كالأزهارِ الشّائكةِ، إذا جِئتَها مُغتصِباً أَدْمَتْكَ، وإذا قارَبتَها كالنّحلةِ حاملاً إليها السّلامَ، والمحبّةَ، مَنَحَتكَ قلبَها، وأَهدَت إليكَ كلَّ ما فيه من حلاوة. إنّ غُدرانَ محبةِ المرأة هي كالبحرِ الذي يقذفُ اللَّآلِئَ وهو أكبرُ من كلِّ ما فيه، لذا، فليسَتِ العتمةُ هي ما يوقّعُ معها عقدَ وجود، فالنّورُ، وحدَه، هو الصِّلةُ مع مَنْ أُلبِسَ، في مَشْيَخَةِ الناس، عباءةُ المدنيّةِ، والإنفتاح. ولأنّ الرَّجلَ، بعقلِهِ الذّكوريِّ الرَّجعيّ، يميلُ الى التزمّتِ، والتَكَهّفِ، والتَجَمّدِ في انحطاطٍ مُقَوِّضٍ للرقيّ، ولأنه مرتابٌ من مَيلِ تحريرِ المرأةِ الى تقويضِ حصونِ الأصول، ومن مشاكستِها لسلطتِه، قبعَ في سوادِ الجهل، وتَصَخَّرَ في عقيدةِ أَسْطَرَتِهِ، ما أبقى على مجتمعِهِ متعثِّراً، ومحكوماً بِفِطَرٍ عقيمةٍ، وبأطماعٍ نُفوذيّةٍ لم يُفضِ تطبيقُها إلّا لتَصَدّعٍ إجتماعيٍّ، وضياعِ كلِّ إمكانيّةٍ لنَوالِ مقامِ الحضارة.
لقد شَنَّ مجتمعُنا الرّجوليُّ المُتَغَطرسُ، على المرأةِ، عُنفاً غيرَ مبرَّرٍ، على امتدادِ الأزمنة، اتَّصَفَ بالقهرِ، والإكراه، والعدوانيّة، وبقَدرِ ما خلَّفَ هذا السّلوكُ الوحشيُّ ضرراً جسمانيّاً، واضطراباً نفسيّاً، طاولَ المرأةَ وشخوصِ أُسرتِها، بقَدرِ ما أعطى، بتَسَتُّرِهِ على الرَّجُلِ الجاني، حقَّ التصرّفِ بالمرأة، ومنحَهُ اليَدَ العُليا في تحريكِ خيوطِ حياتِها، ليس لأنها ضعيفةٌ في البُنيةِ، بل، ربَّما، ليُثبتَ هو رجولتَه بنظرِ نفسِه. وإن دلَّ هذا الواقعُ على شيء، فعلى العارِ الذي يلطِّخُ ضميرَ الإنسانيّة، وهو جريمةٌ موصوفةٌ ينبغي التصدّي لها بحَزمٍ، والإقتصاصُ مِمَّن يقترفُها.
إنّ استعمارَ المرأة، وهي النّصفُ الإنسانيُّ الأَجملُ والأَمثَل، يحتِّمُ إدراجَ مَنْ ينهجونَه على لائحةِ الإرهاب. والأَغربُ تَجَرُّؤُ بعضِهم مِمَّن يظنُّ نفسَه مرشداً إنفتاحِيَّ التوجّه، على النُّصحِ في ما يحقُّ للمرأةِ، وفي ما لا يحقُّ لها، لتتعلَّمَ التّمييزَ بين مساواتِها بالرَّجُلِ، وبين تعاطيها معه من النَدِّ للنَدّ، وهذا يؤكّدُ على الخلفيّةِ الذّكوريّةِ التي لا تزالُ تُعَوِّلُ على الطبقيّةِ، وما حديثُ هؤلاءِ ” الإنفتاحيّينَ “عن مكتسباتٍ للمرأةِ في الحقوقِ والواجبات، سوى ضَربٍ من المُخاتلةِ، لأنّ الكلامَ تَفضَحُ الممارسةُ خلفيَّتَه وتَناقضَه.
إنّ السلطةَ ” الفرعونيّةَ ” التي تستحسنُ مبدأَ الظّلم، والتّعنيف، وهو عِرفٌ قبيح، تَختمُ على المرأةِ بالشَّمعِ الأحمر، أَوليسَ جديراً بنا أن نُكرِّمَ هذا الشَّمعَ الشّاهدَ، وحدَه، على الجريمةِ الكبرى ؟