سجلوا عندكم

صائب سلام(1905-2000) في “أحداث وذكريات”… رجل لبنان ورئيس جمهورية بيروت يروي المعلومات والأسرار

Views: 68

سليمان بختي

يكتب الرئيس صائب سلام (1905-2000) حياة حافلة بالشأن العام، بصناعة التاريخ والتفاعل مع الناس وأحوالهم وآمالهم.“تاريخ من تاريخ” كتاب صائب سلام أحداث وذكريات 3 أجزاء (في 1696 صفحة عن نوفل).

كل سيرة ذاتية أو ذكريات أو مذكرات هي مصدر من مصادر التاريخ وحسنا فعل الرئيس تمام سلام بإجازة النشر لهذه “الأحداث والذكريات” لما فيها من صناعة للذاكرة الوطنية والسياسية والشعبية في لبنان. ويصفها سلام:” هي ذكريات أرى من خلالها صور العصر الذي عشته ورافقت تطوره مع الزمن”. وفيها “تسجيل لواقع سياسي وإجتماعي… ووصف لمشاعر وأحاسيس… وصور من واقع بيروت بشرا وحجرا… وهي في جوهرها تصوير لنضال حثيث  نحو أهداف وطنية وعربية”.

على هذا النحو يروي رئيس جمهورية بيروت كما وصفه ميشال أبو جودة ذكرياته المشتبكة بالذات والموضوع والتاريخ. ولهذه الذكريات قصة فقد بدأت تدوينا  مع الصحافي شكري نصرالله وإبراهيم العريس وأسهم لاحقا نواف سلام ثم تابع العمل أمين فرشوخ بعد أن راجعها الدكتور فارس ساسين.

ولكن ثمة ملاحظة تقنية بوجوب تقديم فقرة ربط للأحداث ومجرياتها في مستهل كل فصل لضبط الإطار والتقليل من التكرار المتعلق بالتدوين اليومي.

 

منذ نشأته الأولى في البيت الوالدي والإطار الجميل والحيوي المحيط به تتسرب إليه السياسة في دارة المصيطبة   ودور الوالد (ابو علي سلام) ونضاله التحرري العربي. ثم إلى المقاصد “مدرستي الأولى” في رأس النبع التي صارت قدره كجمعية ومؤسسة ورافضة للمجتمع البيروتي. إلى مدرسة راهبات مار يوسف ومنها إلى مدارس عدة الشيخ أحمد عباس الزهري ورفيقه الدائم للفنان مصطفى فروخ ومعلم الموسيقى هو عمر الزعني. ومن المدرسة البطريركية الى مدرسة المخلص للآباء الكاثوليك.

ويذكر في تلك المرحلة كيف نجا أبو علي سلام بأعجوبة من حبل المشنقة بعد تدخل والي بيروت عزمي بك بأدلة جاءت لمصلحة والده. ينتسب إلى الجامعة الأميركية وأمضى سنتين فيها ليضطر إلى ترك الدراسة بسبب المال. وهؤلاء علموني خالد ثابت وكليم قربان بجديته وحزمته وأنيس الخوري المقدسي للعربية والبروفسور ستيلي ودروسه تحت ظلال الشجرة ومنصور شدياق للرياضيات والبروفسور دادي للعلوم النباتية والمؤرخ فيليب حتى للتاريخ والقس كلاودز فرع الأدبيات ولا ينسى هوارد بلس ولا دانيال بلس متقاعدا يمشي في أرجاء الجامعة..

يروي سريعا الانتقال من حكم الأتراك الى الحكم العربي القصير العمر الى دخول الجيش الفرنسي بقيادة غورو 1918 والعودة من جديد للسجن والنفي والاضطهاد لسليم سلام.

 

يروي قصة امتياز الحولة ومشاكله ومضاعفاته والمواجهات والصدام بيننا وبين بريطانيا والصهاينة. وتأتي مرحلة وجود أبو علي سلام في لندن لأجل تثبيت امتياز الحولة وعجزه عن تسديد المصاريف التي سددها دينا فضلو حوراني والد المؤرخ ألبرت حوراني ثم تم تسديدها   لاحقا. وتنتهي مأساة الحولة ولكن سليم سلام وأولاده يشترون السلاح بمالهم الخاص وبعلم الحاج أمين الحسيني ويقدمونه مجانا للثوار ويتعرض للخطر مع اولاده عند وجوده في قريتي الحنية والعزية الجنوبيتين.

يخوض صائب سلام المواجهات مع الانتداب الفرنسي وسياساته ويتوج كل ذلك بمعركة الاستقلال ودوره الأساسي فيها. وثمة معلومات تظهر في الكتاب لأول مرة ولم يذكرها المؤرخون قبلا. مثلا رُفع علم الاستقلال لأول مرة في بيت صائب سلام ثم ارسل إلى بشامون. وأن نشرة علامة استفهام  كانت تطبع في بستان يخص آل  سلام في منطقة الغدير. وأن هناك حكومة احتياط سرية برئاسة صائب سلام وعضوية…غبريال المر وهنري فرعون وأحمد الأسعد وحميد فرنجية وكمال جنبلاط. ويذكر سلام نقلا عن خليل تقي الدين أنها لم تسجل في المحضر لسبب ضغط  مورس عليه.

يحدد سلام حقيقة الميثاق بأنه تفاهم وتوافق إسلامي مسيحي على نبذ الاحتلال والحماية الأجنبية، على بلد حر مستقل هو لبنان، وهو غير مكتوب. أما الصيغة فهي صيغة الحكم وقابلة للتبديل والتغيير.

 

يبدد سلام في مذكراته دور الإنكليز في الاستقلال فدعمهم   كان لمصلحتهم الخاصة “ولا ننسى ما كان من تضحيات وطنية مسيحية وإسلامية من أجل نيل الاستقلال التام الناجز”.  وينقل عن بشارة الخوري “أن رئاسة الجمهورية دون استقلال وكرامة لا تساوي عندي هذا الحذاء”.

ومهما كان التباين والفوارق بين القيادات فلا بد من الاعتراف بأن هذه القيادات صنعت وطنا في حين قيادات 1975 الحرب وما بعدها دمرت وطنا. وبرأي الصحافي  جهاد الزين يجب إعادة النظر والاعتبار للقيادات المؤسسة للبنان.

تختلف معارك الاستقلال عما بعدها فهناك طموحات التجديد والصلاحيات والفساد. يلاحظ سلام أن حكومة عبد الحميد كرامي مارست صلاحيات رئيس الجمهورية بشارة الخوري بسبب مرضه.. ويقول عبد الحميد لسلام:” قابلت بشارة وقد وجدته يتفوه بكلمات غير مفهومة. فالى متى يمكن أن نتحمل هذا الوضع”. (https://www.nectarpd.com)

 

ومع كل الإنهماكات يعطي سلام الوقت للجانب الإنمائي التربوي في شخصيته ويسميها “مشاريعي”  يؤسس شركة طيران الشرق الأوسط 1945 ويدخل في مشروع استثماري في أراضي الدوحة 1953 ويرعى المقاصد ويجهد لتطويرها وتحسينها.

يذكر صائب سلام أنه إلتقى أنطون سعاده عام 1938 عند سلمى صايغ صديقة شقيقته عنبرة ويعلق :” بدا لي رجلا مثقفا متزنا واعيا”. ويذكر تأثره من بادرة سعاده إذ ينصح محازبيه بتأييد سلام في بيروت (إنتخابات 1947 التي انسحب منها). عام 1952 رئيسا للوزراء في عهد بشارة الخوري ويطلب تنحيه واستقالته فورا حتى لا تنفجر الأزمة ثم يقدم إستقالته ليتولى الحكومة الانتقالية  قائد الجيش فؤاد شهاب. 

في رحلة الى المملكة السعودية يروي سلام كيف أقنع عبدالله الفيصل بأن المذهب الدرزي هو من المذاهب الإسلامية  بفتوى شيخ الإسلام العثماني في اسطمبول، وكيف ألبس المير مجيد لباس العمرة وأدى المناسك بعد أن علمه سلام كيف يصلي ويسجد حسب الفريضة الإسلامية، وفي اليوم التالي أصدر الأمير عبدالله قرارا بالسماح للإخوان الدروز بدخول مكة دون أي إحراج.

 

كان المؤرخ كمال الصليبي يردد بأن قوة صائب سلام في قوله لا أكثر من قوله نعم. وأن آل سلام يعرفون كيف يحافظون على صداقاتهم. في الفصل الرابع عشر يروي سلام كيف “صرت من أشد المتحمسين للتيار الناصري.آزرعبد الناصر في تأميمه قناة السويس وقال لهنري فرعون عبد الناصر هوهو غوبلزنفسه.استقالت حكومة اليافي، وبدأ مع نهاية 1956 صراع طويل مع شمعون الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بشعارات الوطنية والعروبة”.   ولما وصل عمل ليكون الزعيم المسيحي الأوحد. هذه المواجهة تعرضه الى اعتداء خلال مظاهرة ويصاب بشق عميق في رأسه ويدخل المستشفى وتصدر مذكرة توقيف بحقه فيعلن صيامه عن الطعام حتى إلغاء مذكرة التوقيف.

بعد الإنتخابات المزورة تنطلق أحداث 1958 ويفري سلام فريه فيها دون الانزلاق الى الإجرام أو النيل من  وحدة الجيش ومن وحدة لبنان. يحاول صائب سلام أن يحفظ التوازنات والعلاقة مع عبد الناصر.

بعد إنتخابات 1960 يعود صائب سلام رئيسا للحكومة في عهد فؤاد شهاب بعد فوزه بإاتخابات بيروت بثمانية عشر ألف صوت. تتأزم أمور الحكم ويقدم فؤاد شهاب إستقالته ، وبعد أن أحرق صائب سلام كتاب استقالة فؤاد شهاب “على لهب الشمعة التي كانت أمامي تنير المكان بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وألمه أن يحمل عدنان الحكيم وعبدالله المشنوق شهاب على الأكتاف”.

 

بدأت الاختلافات والمصادمات مع شهاب والمكتب الثاني فعمد الى تعديل حكومته ثم قدم استقالتها لاحقا. لتبدأ معركته مع شهاب بالمكتب الثاني وممارساته. وظل صائب سلام يكافح في هموم لبنانية وعربية ومنها معركة التجديد في الداخل لشهاب وحسمت بانتخاب شارل الحلو رئيسا وأحس بأنه “أصيب بهزيمة سياسة وشخصية”.

تحصل نكسة 5 حزيران 1967 ويكون سلام في القاهرة ويستقبله ناصر في 8 حزيران قبل أن يغادر بحرا. “بدا لي خلالها عملاقا مصمما، رغم كل النكسات وضمانة المحنة على المضي في المعركة حتى نهايتها”. بعد ساعات يسمعه ويراه عبر وسائل الإعلام  في بيروت يطلب وقف القتال والتنحي عن الحكم.

يعايش سلام الاوضاع اللبنانية المتأزمة أزمة حكم عام 1969 وإتفاقية القاهرة والتضامن مع الموضوع الفلسطيني. علما أننا لا نرى في الكتاب أي تفاصيل عن إتفاق القاهرة ولا أزمة  إنترا ولا عن معركة الكحالة ( صدام الكتائب مع الفلسطينيين الأول). يخوض معركة الكلام عن التجديد لشهاب ويرشح سليمان فرنجية و يذكر أن  جنبلاط راح  يبدل مواقفه بمعدل موقف في الدقيقة” . يفوز فرنجية مرشح سلام وكتلة الوسط. وفي الخضم يأتي نبأ وفاة ناصر.

 

يكلف سلام بأولى حكومات عهد فرنجية و يؤلف ربما  واحدة من أهم الحكومات التي مرت بتاريخ لبنان وهي حكومة الشباب. سئل ذات مرة غسان تويني عن اهم رئيس حكومة تعامل معه في لبنان فأجاب:” صائب سلام لأنه ديمقراطي ويؤمن بالشباب وأذنه على إيقاع الشارع”. شجعه فرنجية وقال:” إذا وقف المجلس ضدنا ورفض منحنا الثقة فليس هناك اسهل من حل المجلس وإجراء إنتخابات جديدة. أنا معك فإما أن نبقى معا وإما نذهب معا”. ولاول مرة في تاريخ لبنان جلسات الثقة تنقل مباشرة على شاشة التلفزيون والإذاعة.

يخرج سلام من زهو المعارك إلى صدمة أخرجته من الحكم وهي إغتيال قادة الفدائيين (نيسان 1973) وراحت البلاد تدخل شيئا فشيئا في أجواء اللاإستقرار وصولا الى 13 نيسان 1975 بدء الحرب. يتذكر سلام قصة خطف رئيس تحرير النهار ميشال أبو جودة ويصفها كالآتي “لقد نقل ابو جودة الى سوريا وسلمه السوريون الى لبنان ومع هذا فإن بعض المحققين معه كانوا شرسين ضد سوريا وسياستها”. فكيف حدث لأبو جودة أن انتقل من يد إلى يد”.

يصف سلام بيار الجميل “بأنه مجنون عاقل ورديء وطيب” ولكنه برأيه هو أفضل من بشير وأمين. يعتذر سلام عن تأليف حكومته في عهد فرنجية وآلت امر الحكومة الى رشيد الصلح وبداية ما  اسماه سلام في كتابه “السنوات السوداء”. تعليقا على انتخاب سركيس لرئاسة الجمهورية يدون سلام”. “كانت غايتنا التي لم نتوصل إليها إذن تخليص لبنان من عقبتين كبيرتين : ممارسات الكتائب ومزاجية كمال جنبلاط وتحالفاته.. هزمنا وجاء إلياس سركيس بذلك الشكل المخزي ما جعلنا نصلي لربنا ليلا نهارا أن يحمي لبنان مما هو أعظم”.

 

ومن وقائع الحرب مثلا يطلع سلام أبو اياد على كتاب اتفاق مع الكتائب”وكانت مفاجأتنا نحن الاثنين أن التوقيع الذي يحمله الكتاب ليس توقيع أبو عمار”. وينقل عن علي الشاعر سفير السعودية أن سوريا طلبت من سركيس ثلاثة أمور:” لأن تمثل سوريا لبنان في مؤتمر جنيف وأن تفتح الحدود اللبنانية في وجه المنتجات السورية الزراعية والصناعية،  وأن تكون كلية حمص العسكرية مركزا لتدريب الضباط اللبنانيين. ولكن سركيس رفضها كلها. تم إغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 ونقلا عن السادات سوريا المتهمة وهناك لائحة تشمل سلام وإده وسركيس ودعوة الانتباه والحذر.

في 27 حزيران 1977 يزور سلام دمشق ويجتمع بالأسد برفقة جميل كبي ويتوقف سلام عند انطباع الكبي عن الرئيس الأسد ويضيف سلام “لم أرتح كثيرا لما لمسته من مبالغة” ويصف الأسد  بداهية  العرب . يعود سلام الى الهم اللبناني يقابل الرئيس سركيس ويخرج بانطباع مقارنة بينه وبين فرنجية إنه “اكثر إطلاعا وذكاء ولكن أفقه ضيق مثله إضافة أن منشأه كموظف يؤثر عليه كثيرا، إذ يجعله قصير الحيلة معدوم المبادرة تقريبا ويفتقر الى صفة القيادة”…

وينقل عن البطرك خريش  ما قاله في باريس عن كميل شمعون يدعي الحرص على المسيحية وهو ليس على شيء من هذا”. وأن الجبهة اللبنانية ترهب المسيحيين ويصف شارل مالك “بالمنافق بين الأرثوذكسية والمارونية”.وينقل عن هامر شورلد بأن شارل مالك هو كاذب كاذب كاذب. يعجب سلام بالرئيس بسليم الحص الشاب الذي وقف بوجه الياس سركيس وفؤاد بطرس في قضية الجيش والجامعة اللبنانية وأنه “أصلب وأعقل من معظم رؤساء الحكومة المعهودين وفيه من الحكمة والرؤية ورجاحة العقل ما يشجعني على تأييده”. وينصح الرئيس الحص “إياك أن  تستقيل بل عليك أن تبقى لدى ما تكون عليه الأمور بعد إستقالة الرئيس فيكون لك قول بعد ذلك”. ويذكر أن الحص عمل بما نصحه به وشكره لاحقا.

 

ولا يكف الرئيس سلام عن فتح أقنية الحوار بين المسيحيين والفلسطينيين والسوريين والعرب ويأخذ فيما بعد الموقف المناسب. وهكذا يتوقف عند استقالة الحص في عهد سركيس بأنها قضية موقف حازم وواضح، أما في مقتل الصحافي سليم اللوزي فهو ينقل عن علي الشاعر بأن اللوزي موجود في سوريا ويتعرض للتعذيب. يصدر بيان إدانة عن التجمع الإسلامي فيقول وليد جنبلاط :” يا عمي خففوا اللهجة شوي ولا تستعجلوا قرب اجلنا”. وينقل بعض التهديدات على لسان رفعت الأسد “لقد صفينا أول واحد بلبنان وسنصفي قريبا الثاني وهو صائب سلام”.

تتكاثر التهديدات ويشعر سلام وكأنه يقتلع من بلده ويعز عليه القول إنه يهرب من الإرهاب ويكتب في يومياته “ماذا تريد سوريا من لبنان؟ هي في نظري تريد كل شيء ولا تعلم ماذا تريد أو كيف”. وثمة البعد الإيراني في علاقة الشيعة بسوريا ونقلا عن حسين الحسيني ان المسؤولين في سوريا أفهموه أن مصلحة الشيعة في أن يتضامنوا مع العلويين ضد السنه”. ويسمح لكامل الأسعد “أن تمسك الشيعة بالعروبة هو ألاصل”.

في ذكرى الاستقلال يستقبل سلام خليل تقي الدين أحد الذين شاركوا في معركة الاستقلال وأرخوا وكتبوا ويسأله عن المرسوم الذي عين به  رئيسا للحكومة الرديفة ،وبحسب خليل ان اخاه المتوفي منير أخذ جميع أوراقه واختفى اثرها. ويسأله من ضخم أسطورة بشامون ليطفأوا وهج ما جرى في المصيطبة. وأن آل العيد بحسب رواية خليل رفضوا  ايوائهم   ليلة واحدة لولا توسل اليه مجيد ووصول شاحنتين مليئتين  بالأرز والسكر.

تعود التهديدات مجددا يبلغه أبو عمار  معلومات موثوقة جدا بأن السوريين يريدون به شرا ويرجون ان يغادر البلاد، فيرفض. يتابع سلام من بعيد اجتماعات مصطفى بيضون مع بشير الجميل ويبلغ بيضون ان المسيحيين أخطأوا مرتين ،مرة  منذ مئة سنة  عندما إاعتقدوا ان اتفاقهم مع الدروز يؤدي الغاية المطلوبة. والثانية حين اتجهوا للاتفاق مع الشيعة بينما الاتفاق لا يقوم إلا مع السنة كونهم “أهل الجماعة ويمثلون كل الإسلام”.

 

والطريف ان صائب سلام يسمي كل الخلافات بين الموارنة والدروز بانها “جبيلات ” وكذلك الخلافات بين الزعماء الموارنة في ما بينهم. يقصف بيته من الأحزاب وكان عنده على الغداء كمال الصليبي  ورشيد الخالدي “نزلوا الى الطابق الثاني لاتقاء الإصابات ووجد في إحدى خزائن ملابسه رصاصة اخترقت الشباك.

عام 1982 كان مفصليا مع الغزو الإسرائيلي لبيروت والدور الكبير لسلام في المفارقات مع الفلسطينيين والأحزاب والأميركيين وفيليب حبيب والحكومة الشرعية للوصول الى اتفاق ينقذ المدنية ويحقق  الخروج  المشرف للمقاتلين الفسلطينيين بأسلحتهم الفردية.  وعندما يشتد القصف الإسرائيلي على بيروت يتصل برئيس الجمهورية ويخاطبه بلهجة قاسية “أنت قاعد في بعبدا ولكن عاصمتك تحت رحمة الإسرائيليين في كل ساعة ويريدون تدميرها،  فاسنتجد برؤساء العالم وشعوب  العالم كله”.

وقبل سفر بشير الجميل الى السعودية يتصل بسلام طالبا النصيحة، يجيبه:” انت لبناني قل ما تشاء وما تعرف عن مصلحة لبنان ولكن الاجتماع الاصعب للتجمع الاسلامي وجبهة المحافظة على الجنوب كان مع ابو عمار في 3 تموز 1982 وصل صراخنا الى السماء يقول سلام. قال ابو عمار للمجتمعين انتم تطردوننا الان من بيروت” . يرد سلام منفجرا:” انت لست رجلا على مستوى القضية ، انت رجل امام قضية كبرى وانت تعالجها بعقلية قديمة”.

 

اقتنع ابو عمار ووافق على تقديم محضر خطي موقع للوزان يعلن فيه استعداده لمغادرة لبنان. وصل ضغط سلام الى 18 وراح عرفات يقبلني ويسترضيني” وتتواصل الأحداث ، يترشح بشير للرئاسة ويقف سلام ضد ذلك:” مرشحي هو لبنان الذي قام على التوافق بين المسلم والمسيحي” ويرد على مكالمة شارل مالك:” فليعفنا بشير الجميل من ردة فعل اسلامية تقود الى تقسيم لبنان”. انتخب بشير  الجميل رئيسا ويدعو سلام الى اجتماع اسلامي موسع بحضور بري وجنبلاط ويلفته تشدد الحص أكثر منهما. 

يغادر ابو عمار لبنان  ويشيعه سلام من المرفا مع المفتي تقي الدين ورشيد الصلح ومالك سلام والبربير وجنبلاط ومحسن ابراهيم وجورج حاوي. قال لعرفات “قضيتك اليوم قضية نضال سياسي”. اما في مقابلته لبشير الجميل فثمة نقاط محددة مثل حل الملشيات والإذاعات الخاصة والانسحاب الإسرائيلي غير المشروط وهوية لبنان العربية واعلان بيروت منطقة منكوبة والتأكيد على وحدة لبنان وسيادته  وسلامة أراضيه. برأي سلام كانت المقابلة مفيدة ، ولم يترك امرا الا وطرحه وكانت الأصداء طيبة. قال له :” أنت مرشح الموارنة… وعندما تصبح رئيسا يصبح عبؤك مضاعفا، لأنك حينها عليك أن تنظر الى مصالح المسلمين”.

في 15 أيلول يُغتال بشير الجميل ويعلق سلام :” وجدت أن فيه آمالا كبارا للبنان”. يتذكر سلام ما قاله له بشير “ان الإسرائيليين يضايقونني جدا جدا وآمل ان أتخلص من ذلك”. ويجزم سلام بأن من قام بهذه الجريمة النكراء هم الإسرائيليون”.

 

يترشح أمين الجميل وكميل شمعون وبينهما يختار سلام الجميل. ولكن قبل ذلك تقع مجرزة صبرا وشاتيلا. والدلائل لديه لا تؤكد أنهم جماعة سعد حداد وهو يميل انهم الكتائب ولكن من اللحظة ألأولى وجد من المصلحة الوطنية “ان أعلن النفي وان الكتائب لم يدخلوا هذا الموضوع، وأن القضية قضية إسرائيل وسعد حداد تفاديا لتفاقم الوضع بين المسلمين والمسيحيين” يومها قال الصحافي  روبرت فيسك “ولكنك تكذب يا دولة الرئيس” فأجاب “قد يضطر المرء الى ان يكذب لكي ينقذ وطنا”.

إلا أن إنتخاب أمين الجميل ولد جوا إسلاميا مسيحيا إيجابيا كان الإتجاه أن يتراس حكومة  العهد الأولى اللواء أحمد الحاج  ولكن استطاع سلام ان يردها للوزان ويعرف ان الحاج تم ترشيحه من الكتائب وان الوزان ليس قد الحمل ولكنه أفضل  الموجود. وبدأت مع الجميل والوزان رحلة اهتزاز الثقة وتداعيات الاتفاق مع اسرائيل والتداعيات السورية لمؤتمر الحوار في جنيف.

ونرى في التدوين بداية حضور رفيق الحريري في المشهد السياسي. وعلى ما يقول سلام عن الحريري انه يقابل خدام وجنبلاط في دمشق وبري في بيروت. “فانه باعنا بيعا كاملا”. يصف وليد جنبلاط وما يصدر عنه من قباحات في جنيف “كان قليل ادب” ولا يمكنه ان يضمنه من الفيء الى الشمس. يقول له:” إن والدك كان باطنيا يقول ما يريد قوله ويبطل ما لا يريد ان يعلنه أما انت فتقول شيئا في الصباح وشيئا مختلفا في المساء ولا تبالي، فضحك جنبلاط وبدأت تتجمع لديه الملاحظات على حكم الرئيس امين الجميل مثل الغرور والتسرع وثبت لديه “ما كان يقوله لي والدي من أن المسيحيين ليسوا أهلا للحكم” ومرض لبنان هو حزب الكتائب وفقدان الثقة بالحكم، بنظافة الحكم”.

 

يقارن سلام ما فعله جنبلاط وبري مع أمين الجميل بالمطالبة بتنحيته مع ما جرى عام 1975 يوم أعلن كمال جنبلاط وعرفات عزل الكتائب. وردة الفعل لدى المسيحيين هي التضامن. يتم التحضير لإلغاء اتفاق  17 ايار ويذكر سلام موقف سليمان فرنجية في مؤتمر لوزان في اول جلسة اختلف مع شمعون والجميل الى حد الشتائم ووصفهم بكلمات مثل “عملاء اسرائيل ووكلاء اسرائيل” لكن موقف فرنجية في الجلسة الثانية اتخذ منحى آخر عندما جاء  البحث  في العلاقة السياسية والدستورية بين الموارنة والمسلمين. يقول سلام لخدام “فرنجية في دمشق عربي ضد اسرائيل وفي لبنان ماروني ضد المسلمين”.

ويظل يسعى سلام بلا هوادة في سبيل وحدة المسلمين والوحدة الوطنية. ولكن الأوضاع تستمر في التدهور ويدعوه ريمون أده الى حكومة منفى “فيرفض لأنه يريد ان يبقى مع أهله وناسه ” ويرى الإعلام ينقسم بين “جميليزيون وبرزيون” ولكل تلفزيونه. وينتقد استقالة سليم الحص  من الحكومة وانه ربح وخسر في 24 ساعة دون أن يدري ودون أن يشرح اسباب استقالته.

واحيانا ترى سلام يحاول الهرب من السياسة الى العمل التربوي الى المقاصد التي أصبحت في معزة ولد من أولاده او الى جلسات فكرية يتوجها بالقول:” قاتل الله السياسة انها مورد الجهل” ويظهر دائما محبته الى زوجته تميمة ومقدرا دورها وتضحياتها. بين 1985و1987 تظل  وقائع  التدهور السياسي والأمني تتفاقم في لبنان “الانتفاضيون المسيحيون” والقصف على صيدا وتهجير أهلها ولا ييأس من الدعوة الى وحدة لبنانية شاملة للحفاظ على  لبنان.

 

نصل الى اغتيال كرامي في حزيران 1987   ووقعه الصاعق عليه “هزتني من  الأعماق”. يراقب التطورات يوما بيوم ويرى أن “أكثر من في يده المفاتيح في لبنان من المسؤولين هو امين الجميل  ومن حملة السلاح جنبلاط وبري وجعجع وحزب الله وأثبتوا عبرالسنوات أنهم اما خالون من الضمير ولا تهمهم سوى المصلحة الشخصية اما انهم اداة للخارج من قريب ومن بعيد. اما هم الإثنان معا”.

عام 1988 تحتدم معركة الرئاسة من جديد بين فرنجية واده ويتصل إده بسلام ليخبره بغضب شديد ان فرنجية اتصل به من زغرتا وابلغه أنه سيعلن ترشيحه بعد ساعة و اقفل الهاتف وراح ريمون يردد “شو انا بو يجي؟ لا سلام ولا كلام”. يتصل فرنجية بسلام ليبلغه انه سيعلن ترشيحه بعد ساعة ويعلق “لم أغضب ولكنني فعلا ضحكت” وفي اجتماع مع الحريري وجوني عبده يقترح كل منهما عما يكون موقفه  لو الف امين الجميل حكومة برئاسته قبل تركه الرئاسة. فيجيب “تريدونني ان اتسلم حكومة كلها زعران بزعران في آخرة عمري ” ويضيف امام الإلحاح “اهم ما بنيته طوال جهادي لوطني وعروبتي واسلامي انني اتمسك بأخلاقياتي وأدعو للتمسك بالمبادىء والقيم”.

يوجه سلام النداء الى الملوك والرؤساء العرب لتعريب قضية لبنان في 4 تشرين الأول 1988 يتواصل مع الجميع لتهدئة الأجواء وتبدأ لائحة المرشحين للرئاسة في التداول بين لبنان وعواصم العرب والعالم. ومع حكومتين في بيروت واحدة برئاسة الحص وثانية برئاسة الجنرال عون والوضع العام المتفاقم والمتدهور تنطلق اجتماعات النواب في قصر المؤتمرات في الطائف في 3 ايلول 1989 وكان له الدور البارز في الوصول الى  اتفاق الطائف في لحظة تاريخية.  ينتخب رينيه  معوض رئيسا ويتم اغتياله ويشترك نواف سلام مع النواب بإانتخاب الياس الهرواي رئيسا للجمهورية في شتورة.

 

بين 1990 و1999 تتواصل ايام صائب سلام في جنيف من خلال الزيارات والأاصالات واللقاءات وتبقى همته عالية في متابعة قضايا لبنان والعرب. يتنبأ لعون  بنهاية  فاما ان يغتال او ينتحر او يهرب. 

على هذا النحو يمضي صائب  سلام في تدوين الأحداث والذكريات ويتابع الظروف المصيرية التي يمر فيها الوطن والامة العربية. ويشكل موقفه من حدسه السياسي ومن مبادئ وقواعد يركز اليها. ومن جرأة الموقف والثقة بالنفس ولا يخشى في ذلك لومة  لائم.

تخيبه احيانا الظروف وتضيع الثقة في من ائتمنه على حاله (خضر صعب) فأضاع المال والثقة. وتستغرب كيف يفكر سلام في الانتحار لولا بقية إيمانه.

عام 1996 يعود صائب سلام الى بيروت بعد غياب 12 عاما يضع حجر الأساس في ساحة البرج. وبرأيي هذه الصورة ليست  لسلام أن يدشن مشروع سوليدير وهو الأعرق زعامة وتاريخا وفهما لمعنى لبنان ودوره.

يدون صائب سلام الأحداث والذكريات ويروي المعلومات والأسرار, سياسي يبني الزعامة على عرش القلوب والمواقف.

يجترح المستحيل لينقذ وطنا. كأنه يريد من كل ذلك ان يجعل من العبرة إضاءة للحقيقة ومن التاريخ ما يثبت ويرسخ ليبني عليه مع الناس ولأجل الحياة والوطن. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *