حوار مع صديقي (غير المسلم)

Views: 483

ماجد الدرويش

بعض الأصدقاء من غير المسلمين تعتمر في صدورهم أسئلة كثيرة حول طبيعة الأحكام الشرعية، ولكنهم من أدبهم لا يجهرون بها بشكل مباشر، غير أنك تشعر من خلال حديثهم أنهم ربما استغربوا من كون الأحكام الأخلاقية يخاطب بها المسلمون دون غيرهم، فيقولون في أنفسهم: أليست هذه عنصرية؟

كيف يقتصر الخطاب على المسلمين فقط والإسلام دين الله للعالمين؟

والحقيقة أنه استفسار بالغ الأهمية، ويعبر عن صدق في المشاعر، ومحبة، لذلك أحببت أن أتناول حكما من الأحكام التي يُظن أنها تبيح الإساءة لغير المسلم، ويقاس غيرها عليها.

أذية الذمي كأذية المسلم.

بداية لا بد من بيان أن الخطاب عادة يتوجه إلى الغالب إما حقيقة وإما معنى، فالله تعالى عندما يقول مثلا (يا أيها الذي آمنوا) لا يعني أنه لا يتوجه إلى المؤمنات بالخطاب، وإنما الخطاب (خرج مخرج الغالب)، لأن العرب من عادتها في الخطاب تغليب الذكورة.. والقرآن نزل بلغتهم.

إذن فعندما يتوجه الخطاب فإنه يتوجه إلى الغالب، وبالتالي عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)، لا يعني بالضرورة جواز أذية غير المسلمين، وإنما عدم أذية المجتمع الذي يعيش فيه، وقد نوه شراح الحديث بأن ذكر المسلم جاء على سبيل التغليب، ويشمل الحديث أذية الذمي والمستأمن ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من آذى ذميا فقد آذاني).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) – البخاري -. وفسر العلماء المعاهد بالذمي.

لذلك بوب له البخاري: بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ.

بل ذهب قَوْمٌ من العلماء إِلَى أَنَّ دِيَتَهُ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَن الصحابي الجليل عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، من التابعين، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ (أي الحنفية أتباع الإمام أبي حنيفة).

ومن أذية الذمي مناداته (يا كافر)،

 ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين، عن الإمام الأوزاعي، عن مكحول، عن وَاثِلَةَ بن الأسقع رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِياطٍ مِنْ نَارٍ).

قال الإمام الأوزاعي:  فَقُلْتُ لِمَكْحُولٍ: مَا أَشَدُّ مَا يُقَالُ قَالَ: يُقَالُ لَهُ: «يَا ابْنَ الْكَافِرِ».

فاعتبر الإمام مكحول البيروتي أن مناداة الذمي ب (يا كافر) أو (يا ابن الكافر) من باب القذف..

وأخرج الإمام أبو نُعيم الأصبهاني في حلية الأولياء في ترجمة عامر بن عبد الله بن قيس ، أحد الثمانية الذين انتهى الزهد إليهم، أنه:  مَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَهُوَ يَجُرُّ ذِمِّيًّا، وَالذِّمِّيُّ يَسْتَغِيثُ بِهِ ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَالَ: «أَدَّيْتَ جِزْيَتَكَ؟»

قَالَ: نَعَمْ ،

فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ – أي على الشرطي – ، فَقَالَ: «مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟»

قَالَ: أَذْهَبُ بِهِ يَكْسَحُ دَارَ الْأَمِيرِ،

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى الذِّمِّيِّ ، فَقَالَ: «تَطِيبُ نَفْسُكَ لَهُ بِهَذَا؟»

قَالَ: يَشْغَلُنِي عَنْ ضَيْعَتِي،

قَالَ: «دَعْهُ»

قَالَ: لَا أَدَعُهُ

قَالَ: دَعْهُ

قَالَ: لَا أَدَعُهُ

قَالَ: فَوَضَعَ كِسَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: ” لَا تُخْفَرُ ذِمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَيٌّ”.

اراد ان يقاتل الجندي انتصارا لمظلومية الذمي..

فهذا كله يدل على أن المقصود أن يسلم المجتمع من أذية المسلم، كل المجتمع، فلا تجتمع صفة الإسلام مع الاعتداء على حقوق الآخرين..

وعلى هذا المثال تخرج بقية الأحكام. والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *