الشاعر المهجري نسيب عريضة (1887-1946)…الغائب الحاضر
سليمان بختي
كان الشاعر نسيب عريضة من مؤسسي الرابطة القلمية مع جبران ونعيمة في نيويورك 1920، وصاحب مجلة “الفنون” التي كانت تهتم بنشر نتاج ادباء المهجر الشمالي من شعر ونثر.
لم يترك سوى ديوان واحد هو “الأرواح الحائرة” . وبقي الشاعر الحائر الشاكي ظلم الوجود والقهر. اسمعه يقول: الا فاكتبوا فوق قبري/قضى عمره ليس يدري/ وجاء الى العيش قسرا /وأخرج منه بقهر/.
ولد نسيب اسعد عريضة في مدينة حمص وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الروسية، ومنها إلى دار المعلمين الروسية في الناصرة فلسطين. وهناك التقى ميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد وتصادقوا.
كان نسيب عريضة في طليعة رفاقه واختير للسفر الى روسيا لمتابعة دروسه فيها. ولكن حالت نشوب الحرب الروسية اليابانية دون سفره.
قدم الى بيروت ومنها الى نيويورك عام 1905.
تزوج من نجيبة حداد شقيقة الشاعرين عبد المسيح وندرة حداد . لم يوفق في اعماله المهنية والتجارية.
اصدر مجلة “الفنون” عام 1913 وبقيت تصدر حتى العام 1918 ثم توقفت لأسباب مادية.
شارك في تحرير “السائح” و”مراة الغرب” و”الهدى”.
وفي العام 1920 كان في الرابطة القلمية ركنا من أركانها.
كان لنسيب قصائد نالت شهرة مثل قصيدة “يا نفس” مخاطبا فيها نفسه بهموم الشك واليقين والحيرة. وكتب ايضا قصيدة “على طريق ارم” قصيدة مطولة من ميتين وستة وثلاثين بيتا موزعة على ستة اناشيد.
عانى نسيب عريضة وجع الغربة والتيه وكتب: احب بلادي وان لم انم / قرب الجفون باحضانها/ فكم انت النفس من ياسها/ وناءت بأثقال أشجانها/ تود الرجوع إلى عشها/ وليس الرجوع بامكانها/.
امتاز شعره برحابة الخيال وصدق النبرة وتحشيد الثنائيات المتناقضة مثل الروح والجسد والحياة والموت والامل واليأس .
عانى نسيب عريضة الم الفقدان برحيل شقيقه وشقيقته وترك ذلك في نفسه حزنا مقيما.
يقول ميخائيل نعيمة عن صديقه نسيب عريضة: شعره يصور كل الجمال الذي يكمن في روحه ويعكس شخصيته الرقيقة الخجولة التي كانت بعيدة عن التكبر والتظاهر.
هذا الشاعر العليل بالرقة وصاحب الحنين العميق الى الوطن والتعبير عن أمنية العودة حيا او ميتا.وكتب قصيدة “الى حمص ام الحجارة السود”.
التفت نسيب عريضة الى واقع الأمة العربية وراح يستننهض همتها للدفاع عن فلسطين ولما انتابه الياس من الشعب العربي كتب قصيدته المشهورة “النهاية” ومتسائلا كيف يقبل هذا الشعب الذل والهوان على يد جلاديه من العثمانيين حتى الانتدابيين. في هذه القصيدة بيت سمعت المفكر قسطنطين زريق يردده مرارا وتكرارا وهو “ليس تحيا الحطبة” . ويقول في القصيدة: كفنوه/ وادفنوه/اسكنوه هوة اللحد العميق/واذهبوا لا تندبوه فهو شعب/ميت لا يفيق/هتك عرض/نهب ارض/شنق بعض/لم يحرك غضبه/ فلماذا تذرف الدمع جزافا/ليس تحيا الحطبة/ ليس تحيا الحطبة/. اختصر نسيب عريضة مأساة الشعب العربي في هذا البيت.
نذكر ايضا ان في رصيده قصتين: “الصمصامة” و “ديك الجن الحمصي”، ونصاً عن احتضار ابي فراس. كما أنه ترجم العديد من الكتب الروسية.
توفى نسيب عريضة في العام 1946 إثر معاناة أمراض القلب. فكتب نعيمة إثر وفاته: “انا لو شئت ان اصف الفقيد بكلمتين لأسميته شاعر الطريق فما وقفت بين شعراء عرب وغير عرب على شاعر أفاض وابدع في وصف طريق الحياة…الى حد ما فعل نسيب عريضة”.
وكتب الشاعر ايليا ابو ماضي قصيدة في رثائه بعنوان “الغائب الحاضر” يقول فيها: مضى الذي كان في البلوى يعزينا/ وكان يحيي اذا ماتت أمانينا/ ويسكب السحر انغاما ويسقينا/ مضى نسيب النبي المصطفى فينا /وصار جسما رميما في يد القابر/لسوف يرجع عطرا في الرياحين/ او نسمة تتهادى في البساتين/او نسمة في ثغور الخردة العين/ فالموت ما هو إلا هيكل الطين/ لا تحزنوا فنسيب غايب حاضر/.
واخيرا نسيب عريضة شاعر مهجري مجدد كتب إحساسه الصادق قصائد وكلمات. وعلى ما يقول الناقد محمد مندور: “هو خير ما نعرف من شعر رومانتيكي لا شعر أولئك الصغار الذين اتخذوا من الرومانتزم مذهبا أدبيا يتصنعون فيه النحيب بل كبارهم الذين أصدروا عن حالات نفسية صادقة”.
ونختم بأبيات من شعره الذي يحاول فيه كشف الحقيقة والتعبير عنها ببساطة:
يا اخي يا اخي المصاعب شتى/
غير انا في سيرنا غير واحد/
فلنسر فلنسر واذا هلكنا /
قبل ادراكنا المنى والمواعد /
فكفانا انا ابتدانا وانا/
ان عجزنا فقد بدأنا نشاهد/.