يوحنا العاشر وجه من مطرانية بيروت نداء الى “أصحاب القرار” لعدم الكيل بمكيالين: كفى قهرًا للشعب الفلسطيني وكفى احتقارًا ربما لكل الشعوب العربية
زار بطريرك إنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر إلى دار مطرانية بيروت وكان في استقباله سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده محاطاً بكهنة الأبرشية. بعد الصلاة جرت خلوة بين غبطة البطريرك وسيادة المتروبوليت الياس تلتها مأدبة غداء. وقد أجاب غبطته عن أسئلة الصحافيين بما يلي:
«أتوجّه إليكم يا أحبة جميعاً من هذه الدار الكريمة في بيروت ونحن في زيارة أخوية كالعادة للأخ العزيز الحبيب بالرب سيادة المطران الياس راعي هذا الأبرشية المحروسة بنعمة الرب. ماذا يستطيع أن يقول الإنسان في هذه الظروف والأوضاع؟ بالطبع كانت الزيارة مناسبة وفرصة لجولة مع سيدنا الياس في أفق كل ما يحصل على صعيد وضع البلد والوضع العام في المنطقة، وعلى الصعيد الكنسي وبعض القضايا الكنسية حيث أن المجمع المقدس، في الأسبوع القادم، بمشيئة الله مدعو أن يلتئم ويجتمع حول مجموعة من المواضيع التي ستتمّ دراستها ومناقشتها. في هذه الظروف، ماذا يقول الواحد منا ونحن نرى الدماء تسيل هنا وهناك من حولنا. ما يحصل أولاً في غزة، هذه الكارثة المؤلمة، وما نشاهده، هي بالنتيجة قضية هذا الشعب الفلسطيني المشرّد والمهجّر والذي لسنوات طويلة يعاني من سياسة التمييز العنصري. (Alprazolam online) علّ هذه الحادثة الكارثة تهزّ ضمائر المسؤولين في العالم، المعنيين والهيئات الأممية، للتدخل السريع لإيقاف ما يحدث، وعلّ العالم يدرك أنه يجب إيجاد حلّ لهذه القضية، قضية الشعب الفلسطيني.
من هذه الدار الكريمة، أقول كفى قهراً للشعب الفلسطيني، كفى احتقاراً ربما لكل الشعوب العربية. من يظن أو يعتقد أنه من خلال سياسة تجويع الشعب الفلسطيني أو الشعب السوري أو حتى الشعب اللبناني ينتصر، إذا كان يظن أنه من خلال هذه السياسة يستطيع أن يصل إلى مآربه وإلى مقاصده فهو مخطئ لا بل أقول إنه قد يكون مجرماً بحق هذه الشعوب. السلام لا يأتي من على جثث الأطفال والقتلى والأبرياء والنساء، السلام يأتي عندما يدرك أهل القرار في هذا العالم أن شعبنا له من الكرامة كما هو الحال بالنسبة لكل شعوب العالم. نحن لسنا دعاة حرب، نحن نرفض العنف والقتل، نحن طلاب سلام ولكننا في الوقت عينه طلاب عدل ولنا حق لا نتخلّى عنه. وهذا ما حصل منذ أيام أيضاً في سوريا في تلك الحادثة التي تمّت في حمص، حيث قُتل الكثيرون وجُرح الكثيرون. هنا، تساءلنا وسيدنا الياس سويةً أمام كل هذا الوضع القلق، الصعب، المحزن، الأليم، الدقيق، الحساس، أين هو لبنان وأين هم المسؤولون في هذا البلد الغالي على قلوبنا؟ ألم يحن الوقت، أمام كل ما يحدث، أن يعود الجميع إلى ذواتهم وأن تتكاتف الأيدي سويةً وأن يتعالى الجميع عن الأنانيات وعن المصالح الشخصية وأن نعمل جميعاً من أجل مصلحة لبنان ومن أجل مصلحة اللبنانيين؟ أين هي كرامة الإنسان اللبناني الذي يعاني كل ما يعاني والذي فقد جنى عمره بسرقة أمواله من المصارف وكل المآسي التي يعاني منها. الدعوة هي صارخة من أجل أن يتكاتف كل المعنيين لكي يسيروا بعملية انتخابٍ لرئيس للجمهورية التي نرجوها أن تكون المدماك الأول لكل عملية الإصلاح وإزالة الفساد بطريقة من الطرق، من أجل أن ينعم هذا الشعب اللبناني بكرامته ومن أجل حسن سير الهيئات الدستورية وانتظام عمل البلد بكامله.
نحن أيضاً، في الأسبوع القادم، برحمة الرب، على أبواب انعقاد المجمع الإنطاكي المقدس وهناك مجموعة من القضايا الموضوعة على جدول الأعمال، على أجندة المجمع وهي طويلة وكثيرة. دعوني أركّز على نقاط ثلاث: النقطة الأولى وهي أساسية هي موضوع العائلة، الذي سيكون على جدول أعمالنا، دراسة وتأكيد على أهمية العائلة والصعوبات التي تواجهها العائلة في أيامنا في مجتمعاتنا، وفي العالم أجمع، وكل ما يتعلّق بموضوع الأب والأم والأهل والأولاد والتربية وإلى ما هنالك.
موضوع آخر مهم جداً هو المساعدات الإنسانية. عمل الكنيسة الدؤوب والقوي والفاعل بأن تكون إلى جانب أبنائها وإلى جانب البلد دون استثناء، لدعم أبنائها للاستمرار وللبقاء والعيش الكريم خاصة في هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة دون أن ندخل بتفاصيل ما نعاني منه كلنا.
الأمر الثالث وهو هام أيضاً، هو دراسة ملف الأبوين نقولا خشّة وابنه بالجسد الأب حبيب خشّة وهما شهيدان استشهدا من أجل الإيمان القويم الأب نقولا عام 1917 والأب حبيب عام 1948 وقد كان موضوع دراسة هذا الملف منذ سنوات في المجمع الإنطاكي المقدس وتمّ تحضير ملف كامل بخصوص الأبوين خشّة، نأمل ونرجو أن تتم دراسة هذا الملف في المجمع القادم بتوجّه لإعلان قداسة الأبوين خشّة. كنيستنا الإنطاكية هي هذه الكنيسة الرسولية المجيدة، العظيمة، هي هذه الكنيسة الشاهدة والشهيدة في الوقت نفسه وعبر التاريخ، منذ الأيام الأولى، كل الآباء والرجال العظام، بطرس الرسول الذي أسس هذه الكنيسة مع الرسول بولس وبالمناسبة إنطاكية هي الكنيسة الأولى التي أسسها الرسول بطرس ومن بعد إنطاكية أتت الكنائس الأخرى من الناحية التاريخية. اغناطيوس الإنطاكي، يوحنا الذهبي الفم، يوحنا الدمشقي، كل هؤلاء الآباء القديسون من كنيستنا، هذه الكنيسة لم تتوقف عن وجود قديسين من شعبها إن كانوا رهبان أو متزوجين، والدليل على ذلك توجّه المجمع لإعلان قداسة الأبوين خشّة. إذاً لم تنقطع القداسة من كنيسة إنطاكية، والأبوين خشّة كانا أبوين متزوجين، كان عندهما عائلة ورغم ذلك الكنيسة تعلن قداستهما.
في ضميرنا، في وجداننا ما يجري في بلدنا، ما يجري في لبنان، ما يجري في سوريا، ما يجري في المنطقة كلها، في الشرق الأوسط، هذا الشرق الجريح والمعذّب منذ سنوات وسنوات طويلة. علّها تكون صرخة، نداء إلى كل أصحاب القرار في هذا العالم لعدم الكيل بمكيالين. ما يحلّ هنا لا يحلّ هناك والعكس صحيح. لذلك وقبل انعقاد المجمع المقدس أي يوم الاثنين القادم في 16 تشرين الأول سنقيم مؤتمراً دولياً حول تاريخ كنيسة إنطاكية، تحديداً الحقبة ما بين القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر. هذه الفترة من تاريخ إنطاكية كانت فترة دقيقة وحساسة وللأسف التاريخ وحتى الكنسي منه، أحياناً كثيرة لا يكتبه القديسون، ويصير ما هو أبيض أسود وما هو أسود أبيض ويصبح التاريخ وكأنه وجهة نظر. لذلك إنصافاً للحقيقة وتصويباً للتاريخ ولرؤية صائبة وصحيحة عن هذه الحقبة الحساسة من تاريخ إنطاكية، سيُقام هذا المؤتمر على صعيد دولي لتوضيح تاريخ هذه الحقبة من تاريخنا في هذه الديار وفي هذه البلاد.
صلاتنا مع سيدنا سويةً مع كل أحبّتنا وكل أبناء كنيستنا وشعبنا من أجل إحلال السلام في العالم أجمع، من أجل الاستقرار، من أجل راحة نفوس الذين توفوا وانتقلوا، من أجل بلسمة جراح المرضى وشفائهم وبلسمة جراح كل موجوع وكل أمّ ثكلى وكل أخ وكل أخت، ومن أجل بلسمة جراح الجميع. نطلب من الرب أن يحمينا ويعطينا السلام ونطلب أيضاً أن نكون كلنا هذه اليد الواحدة في بلادنا من أجل خير بلادنا وخير شعبنا وخير الإنسانية جمعاء».