موسمُ العنبِ/ قصة قصيرة

Views: 318

ديانا جورج حنّون

عندَ السّاعةِ السّادسةِ صباحاً، أَيقظَتْ “سهى” أَولادَها، “توفيق”، “روز” والصّغرى “ماري”، وقالَتْ:

– سنذهبُ إِلى الكرمِ، ونقطفُ العنبَ الأَحمر. والدُكم سبقَنا، وأَنا أَنتظِرُكم، لا تتأَخّروا…

 قامَ الأَولادُ مِنْ أَسرّتِهم، رتّبوها، وارتدوا ثياباً مريحةً، وانتعلوا أَحذيَتَهم الرّياضيّةَ، واعتمروا قبّعاتِهم، وتوجّهوا إلى المطبخِ.

بعدَ تناولِ “التّرويقة”، حملَ كلٌّ مِنْهم سلّةً، وزوّادةً، وقنّينةَ ماءٍ، وغادروا وأُمَّهم البيتَ، سيراً على الأَقدامِ.

 

عندَ رؤيتِهم، رحّبَ بهم والدُهم، وقالَ:

– اقطفوا العناقيدَ بتأَنٍّ، وضعوها في السّلالِ، ثمَّ أَفرغوها في هذهِ الصّناديقِ الخشبيّةِ.

توزّعَ الأولادُ بينَ العرائشِ، وبدأوا بقطفِ العنبِ، ووضعِهِ في السّلالِ، وهم يغنّونَ، ويرقصونَ، يتراشقونَ بحبّاتِ العنبِ ويضحكونَ.  وهي تقطفُ العنقودَ شدَّتْه “ماري” بقوّةٍ، ووقعَتْ على ظهرِها، وصرخَتْ: آخ! جرحْتُ يدي. سارعَتْ إِليها “روز”، وساعدَتْها على الوقوفِ، أَصلحَتْ ثيابَها، وغسلَتْ يدَها بالماءِ، وقالَتْ:

– الحمدُ لله، ظهرُكِ سليمٌ، ويدُكِ جرحُها بسيطٌ، لا تخافي. وطمأَنَتِ العائلةَ عليها.

 

غابَتِ الشّمسُ وانتهى القطافُ.

حملَ الوالدُ و”توفيقُ” الصّناديقَ الخشبيّةَ إلى الشّاحنةِ، وصعدَ الأَولادُ قربَها، كلٌّ يحملُ سلّتَهُ، وقنّينةَ الماءِ الفارغةَ. أَدارَ الوالدُ المحرّكَ، الأُمُّ إِلى جانبِهِ، وانطلقَ بهم عائداً إِلى البيتِ.

وهو ينظرُ إلى المحصولِ الذي نقلوه إلى القبوِ، قالَ الوالدُ:

– اللهُ يعطيكم العافيةَ ، والحمدُ للهِ على سلامتِكِ، صغيرتي “ماري”.  والآنَ، سنصنعُ النّبيذَ معاً.

– النّبيذُ؟ هتفَتْ “ماري”.

– نعمْ، إِفصِلوا حبّاتِ العنبِ عنِ العنقودِ، واعصروها بأَيديكم في الدّستِ النّحاسيِّ، وضعوا بقايا العنبِ في هذا الدّلوِ.

 

إِستمتعَ الأَولادُ بعصرِ العنبِ، ولمْ يشعروا بمرورِ الوقتِ حتّى انتهوا منهُ. شكرَهم والدُهم وأَشعلَ الحطبَ تحتَ الدّستِ النّحاسيِّ. ما إنْ بدأَ عصيرُ العنبِ يغلي، تكوّنَتْ مادّةٌ على سطحِهِ، رفعَها الوالدُ بمغرفةٍ، ووضعَها في الدّلوٍ، وقالَ :

– هذهِ المادّةُ، “الزّفرة”، تُفسدُ النّبيذَ، وتُفقدُهُ مذاقَهُ الطّيبَ، ومِنَ الّلازمِ التّخلّصُ مِنها. وسحبَ حطبةً مشتعلةً مِنْ تحتِ الدّستِ لتخفيفِ النّارِ.

مَعِ الغليانِ المستمرِّ تناقصَتْ نسبةُ العصيرِ إلى النّصفِ. فقالَ الوالدُ بزهوٍ:

– باتَ النّبيذُ جاهزاً. ما إِنْ يبردُ، أُصفّيهِ بقطعةٍ نظيفةٍ مِنَ القماشِ، وأُعبّئُهُ في غالوناتٍ مِنْ زجاجٍ، وأَسدُّ فُوَّهتَها بفلّينةٍ.

شكراً على مساعدتِكم في القطافِ والعصرِ.

أَردْتُكم أَنْ تعيشوا هذهِ التّجربةَ المتعبةَ لتعرفوا أَهمّيةَ ما تمتلكونَ. إِحرصوا على أَرضِكم، واهتمّوا بها، ولا تهملوها أَبداً.

غمرَتِ الأُمُّ أولادَها، وقالَتْ:

– الحمدُ لله، تمَّ القطافُ على خيرٍ، العقبى للسّنةِ المقبلةِ إنْ شاءَ اللهُ…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *