حديث مقهى

Views: 146

د. جان توما

اِشرب يا صديقي اِشرب، لعلّ ما في الكأس يلطّف حدّة أوجاعنا. لعلّنا نحن من سكب ما فيه من وجعٍ، أورثناه لأبنائنا وأحفادنا. وعدناهم بوطن، فأدركتنا خواتم العمر، ولم ندركه سالمًا، آمنًا، مستقرًّا.

باقيان يا صديقي على كرسييّن من خيزران، على رصيف مقهى بحريّ، تأخذنا موجة وتردّنا أخرى، ربّما الحياة زورق، ما عرف رصيفًا لمرساه، وما أبحرَت أيامه إلّا ليسرقَ أحلامَهُ غروبُ شمس أو طلوعُ فجر.

يطلع دخان سفننا من سيجارة تحترق كالعمر، ومن نرجيلة يطول ليلها بضباب التحسّر وليالي الهمّ. هذه جلسة تقول : لم يعد في هذا العمر ما يكفي لأحلامنا، فتعال نودعها قارورة فارغة ونرميها في اليمّ، علّ أولادنا يلتقطونها في المدن المشاطئة البعيدة، يقرأون حبّنَا وشوقَنا فيعودون مع فقشِ الموج لتنتعشَ أيامنا وتحلو،

نرسمُ معًا صديقي أحلامَنا ونفرحُ بها، يُطلُّ مع كلِّ تنهيدة دخان وجوهُ الأحبّة، ما زلنا على موعدنا معها، وما زلنا مصرّين على الوطن الطالع من البحر قصيدةً مالحة إلى حدّ العذوبة.

اِنفُخْ صديقي، انِفُخْ عليها، فلا بدَّ من أن تنجلي.

***

(*) اللوحة للفنانة لمياء اللبّان

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *