فوضى الغلاء!

Views: 414

د.جهاد نعمان

خلقنا الله، بعد ابوينا الاولين، في فردوس من نعمته، واوصانا ان نتناول اشياء كثيرة اباحها لنا، وان نجتنب اشياء اخرى حظرها علينا.

غير ان شيطان الطمع، يأبى الا ان يتصدى لنا، ويعمل لاغرائنا، لنمد أيدينا الى الثمار المحرمة، ونقتطف ما يحلو لنا منها.

وليست الثمار المحرمة، في نظرنا، سوى حقوق العباد، فمن هضم حق مخلوق، عصى الخالق، وخالف مشيئته السامية.

وها هو تاريخ البشرية، يسجل لنا في هذا العصر الكوروني، صفحة سوداء، لا تمحوها ايدي المدنيات المقبلة، مهما تعاقبت على مسرح الحياة.

وكيف لا تسجل لنا هذه الصفحة، ونحن في زمن، لبس ابناؤه جلود الذئاب، واقتبسوا طباع العقارب والثعالب، وتسلحوا ببراثن الاسود، وبانياب النموروالضباع؟

وكيف تستطيع الحضارات الآتية، ان تمحو من تاريخنا ما خطته أقلام الأنانية الحمقاء، وقد شربت السطور المداد الأسود الممزوج بدماء الضحايا؟

لقد داست الاثرة الضمير الحي، وحطم الجشع هيكل الحق، ونسيت النفس او تناست، انها نفحة شذية من روحه عز وجل، وان الله يأمر بالخير وينهى عن المنكر.

اجل، لقد تجرد انساننا من لطفه وأنسه، واعرض عن رفقه وحسه، وخنق عاطفته وعزة نفسه، واتجه بكليته شطر الاصفر أو الاخضر المعبود، وطفق يضحي على مذبحه، بأجمل وأغلى ما يملك: وجدانه وشرف اسمه، فكانما هو باق ببقاء المال، وكأن المال رمز الرفعة والخلود.

وانك لتشاهد بيننا اليوم خصوصا، عددا من أمثال هذا “الحيوان الناطق”، الذي يحسب المجد وقفا على المال، فيسعى اليه بمختلف الوسائل، غير مبال اداس في طريقه الوجدان، ام وطئه الذل والهوان.

المحتكر مخلوق مات فيه الضمير، المنفصل اساسا، وتمزقت في قلبه الرحمة، وانتحرت في صدره العاطفة، ونضبت في عروقه دماء المروءة، وتلاشى من على محياه طلاء الحياء، فغدا لا يطرب الا لوهج الذهب ولون العملة الخضراء، ولا يرتاح الا اذا كسب ما يصبو اليه، ولو كان في هذا الكسب خراب البيوت، وتجويع الارامل والايتام.

***

(*) د.جهاد نعمان، استاذ في المعهد العالي للدكتوراه

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *