سجلوا عندكم

صدور كتاب “المطران بولس الخوري أحداث ومواقف” عن دار نلسن

Views: 338

صدر عن دار نلسن في بيروت كتاب  “المطران بولس الخوري أحداث ومواقف” إعداد إبراهيم الخوري، تحقيق وتقديم جان دايه.  في ما يلي كلمة الناشـر سليمان بختي في عنوان “المطران بولس الخوري الإيمان والعمل”، والمقدمة في عنوان “مطران المسألتين اللبنانية والفلسطينية” بقلم جان دايه.

 

سليمان بختي

اعتمد المطران بولس الخوري (1896-1995) في الحياة أسلوب الصـراحة والصدق والعفة والبساطة. واعتنق في مجال المعنى قيم التنوّر والتحرّر والانفتاح والأمانة للفكر وتجلّياته. هو حاضـر في الاحداث والمواقف ملء قلبه وروحه أكان في الحيّز الديني او الاجتماعي او الثقافي او السياسي. ويُقارب في مقالاته، في هذا الكتاب، الذي جمع مواده وحقّقها الزميل إبراهيم الخوري وقدّم له الزميل الراحل جان دايه أسلوب التحليل السياسـي القائم على المبدأية ومن خلال الثورة على التقليد والفساد. لا يتراجع عن ما يراه حقاً. تنبع جرأته من شجاعة الروح والضمير والعقل. ويُظهّر الموقف من الخيارات الصعبة لأجل خير الانسان والمجتمع وتقدّم الوطن. اختار ان يكون مع الناس فربح التاريخ، وان تكون مع التاريخ يعني ان تكون دائماً مع الناس. رجل دين علماني هو المطران بولس الخوري. مناهض للاحتلال بقوة الايمان والامل. وينتصـر للروابط القومية الجامعة ولهويته الوطنية والحضارية.

أدّت تصـريحاته السياسية وكتاباته الصحفية إلى تهجيره من مركز المطرانية في مرجعيون إلى بيروت وصيدا. وعندما شعر ان الكلمة محاصـرة عمد إلى الترشح للوصول إلى الندوة النيابية ضد مرشح الاقطاع في الجنوب عام 1951. ومنطلقاً في كل ذلك مما أسماه “الدفاع عن كرامتي وكرامة رعيتي” ومعلناً بجرأة، “لو تسنّى لي الوصول إلى المجلس النيابي سأدعو إلى فصل الدين عن الدولة وإقرار الزواج المدني”. وقبلها مثلاً في عام 1943 وقف في الجامع العمري الكبير في بيروت وألقى خطاباً وطنياً دعا فيها إلى الوحدة والوطنية والاستقلال، وفي طروحات قائمة على أساس اجتماعي موحد بعيداً عن الطائفية والمذهبية. ولما أنهى خطابه انطلق على رأس المتظاهرين لاقتحام البرلمان الذي يهيمن عليه الفرنسيون.

هذا هو المطران بولس الخوري ليس بينه وبين الفكر والعمل حجاب، يقول ما يفعل بل هو الكلمة – الفعل أو قل الإيمان والعمل.

يقول ذلك مشدّداً في مقالاته ومواقفه على ان الصـراحة هي شـرط التفاهم، ويكتب بأسلوب جذاب ومباشـر وفكه ونضـر. ويلجأ إلى حكايات صغيرة ملأى بالعبر يستقيها من ذاكرة التاريخ والعالم مما يغني نصّه ويثريه مثل مقالة “سنة حبس لحامل الدف”، أو “ليتذكر المسؤولون قصة القرد”. صاحب ثقافة موسوعية ومجبولة في حياته مع الناس والحياة والقيم.

انتمى المطران بولس الخوري إلى رعيته والى كنيسته والى وطنه والى قوميته والى قضيته. وسار مرفوع الجبين في طريق الدين والأخلاق والفضيلة.

المطران بولس الخوري هو نموذج ومثال يحتذى به في تاريخ لبنان لجهة الدفاع عن حرية الانسان وكرامته والايمان بالحق وإرادة التغيير والإصلاح.

جان دايه

في النصف الأول من القرن الماضي، أجرى الزملاء في أكثر من صحيفة بيروتية، مقابلات مع شخصيات عامة، طرحوا عليهم السؤال الوحيد التالي: لو لم تكن أنت نفسك، ماذا كنت تريد أن تكون؟ وكان مسك ختام معظم الأجوبة، العبارة التالية: “لو لم أكن أنا نفسي، لرغبت في أن أكون أنا نفسي”.

ورغم ان السؤال قد بطلت موضته، حين هجر سيادته من مطرانية مرجعيون لأسباب سياسية في أحداث 1975، فقد وضعته في رأس قائمة الأسئلة التي نويت طرحها عليه في المقابلة الصحفية التي حال مانع دون إجرائها.

ولو تمت المقابلة، لربما كان جوابه: “لو لم أكن مطراناً، لرغبت أن أكون مطراناً”.

ولكن المطارنة، وأقصد الذين نسمع أقوالهم ونفعل أفعالهم، ليسوا مفرداً بصيغة الجمع. ومن يستعرضهم، يجد فئة تعظ وتكتب وتنشط في إطار الدين الذي آمنت به وتجنّدت في خدمته.. وثانية، تخطى نشاطها الحيز الديني، ليشمل الإجتماع، والثقافة، والسياسة أيضاً بل أولاً.

ولكن، من يقرأ مقالاته المعاد نشـرها في هذا الكتاب على الأقل، والمصاغة بأسلوب إحترافي، يجد ثلاثة بواحد: محللاً سياسياً عميقاً، ومحرراً صحفياً متميزاً، ومطراناً ثائراً.

وهذه الفئة في بلاد الشام قليلة العدد بالمقارنة مع تلك الفئة التي تضم مطارنة وطنيين يتعاطون السياسة دون الصحافة، أمثال إيلاريون كبوجي وعطالله حنا، أو صحافيين لا يتعاطون السياسة، كالمطران جورج خضـر. ولا يحضـرني مثيل للمطران بولس الكاتب الصحفي والناشط السياسي، إلا مطران بيروت للروم الكاثوليك غريغوار حداد، الذي أدت كتاباته ونشاطاته الثورية التجديدية، وبخاصة التي طالب فيها بفصل الدين عن الدولة، إلى عزله من قبل رؤسائه. في حين، أدت مواقف مطران مرجعيون وتصـريحاته السياسية وكتاباته الصحفية، في الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975، إلى تهجيره من مركز المطرانية في مرجعيون، الى مدينتي بيروت وصيدا.

ولم يكتف الزميل المطران بالكتابة في الصحف بل هو أصدر مجلة باليونانية في أثينا، وحين عاد الى لبنان، ترأس تحرير مجلة (الأرثوذكسية)، التي أصدرتها جمعية الرسولين بطرس وبولس، بدءاً من كانون الثاني 1943، وكان برتبة بروتوسنجلوس. وصدر عددها الأول في كانون الثاني 1943. وبعد توقفها، إستملكها بعد ان أصبح مطراناً، وأعاد إصدارها بالعنوان نفسه، بدءاً من كانون الثاني 1951.

ناهيك بأن مقالاته التي يضم الكتاب كمية كبيرة منها، تؤكد ان كاتبها الهاوي، يتفوق في مجال التعليق السياسي، على الكثيرين من الزملاء المحترفين.

***

أكتب هذه المقدمة، في خضم معركة الانتخابات النيابية في لبنان. فلا بأس من تخصيص حيز عنها، لأن سيادته لم يكتف بالكتابة عنها، بل خاض غمارها في دائرة الجنوب اللبناني ضد مرشح الإقطاع السياسي، في العام 1951.

في 15 حزيران 1951، ألقى المطران محاضـرة في الندوة اللبنانية، بدعوة من رئيسها ميشال أسمر، بعنوان (الإنتخابات النيابية في الجنوب)، ضمنها أبرز محطات تجربته كمرشح. فلنعد إليها، لمعرفة دوافع ترشحه، وأسباب فشله. ومن إيجابيات «حضورنا» المحاضـرة، إستمتاعنا بنهجه الأدبي الفكه الذي لخّص به مضمون محاضـرته.

قال في مقدمة المحاضـرة التي ألقيت في أواخر عهد الرئيس بشارة الخوري الذي إستقال نتيجة إضـراب شعبي عارم ضد نهجه الذي تميز بالظلم والفساد وتزوير الإنتخابات خصوصاً في أيار 1947: «أطلب من الموالين للحكومة عذراً إذا لم أطبل وأزمر معهم لحرية الإنتخابات ونزاهتها، كما أطلب من رفقائي المعارضين عذراً إذا لم أحمل سيف النقمة لأني قبل أن أكون مرشحاً للنيابة، أنا رجل دين، والترشيح حدث طارئ».

أضاف، ودائماً في المقدمة التي تكون أحياناً كتوجيهة صحارة الفاكهة، الأكثر جاذبية من سائر محطات المحاضـرة: «إذا كان الله لم يشأ أن أدخل الندوة النيابية لأقول فيها كلمتي، فإنه قيض لي الدخول إلى هذه الندوة اللبنانية. وإذا كانت تلك للتشـريع، فهذه لتوجيه الشعب وتنويره لعله يختار في المستقبل نواباً يحسنون سن القوانين، ويعملون للمصلحة العامة».

وعن بيت القصيد، قال: «كان ترشيحي للنيابة الدفاع عن كرامتي وكرامة رعيتي التي أرادوا ان يفرضوا عليها النائب فرضاً… ويعلم المطلعون ان الفوز كان مضموناً لولا الضغط المسلح الذي استعمل في جبل عامل، والأموال الطائلة التي دفعت في حاصبيا».

وردّاً على الذين انتقدوا تعاطيه السياسة وهو رجل دين، قال لهم: «قد رافقت ثورة تشـرين، ودخلت الجامع العمري الكبير، ودعوت فيه للإتحاد في سبيل إستقلال البلاد، ولم أتردّد في ذلك الحين عن السير في ركاب فاتح البرلمان». أضاف في رده على الطائفيين الذين انتقدوه: «لو دخلت المجلس، لطالبت بإلغاء الطائفية علة العلل، وبقانون للأحوال الشخصية يتساوى فيه اللبنانيون».

وختم محاضـرته عن إهمال الحكومة للمنطقة التي ترشح فيها وكأنه يختم بيانه الإنتخابي، مع فارق ان الناخبين قد حفظوا عن ظهر قلب أسطوانات الإهمال، في حين تميز كلامه عن الإهمال بالمفاجآت: بدءاً بالصورة التشبيهية الطريفة، وإنتهاء بالنقد المباشـر اللاذع الذي وجهه إلى الإقطاع السياسي: «لما كنت قد ولدت في الشمال، وأقمت مطراناً على الجنوب، فإني أشبه لبنان بنسـر رأسه وبطنه هما بيروت والجبل، وجناحاه هما الشمال والجنوب. وأرى أننا قد أشبعنا الرأس والبطن وأهملنا الجناحين ولا أعلم كيف يستطيع هذا النسـر أن يحلق إلى القمة التي نريدها له، ورأسه وبطنه متخمان وجناحاه مهيضان. اما الشمال فله نواب أكفاء يتحدثون عنه. وأما الجنوب فهو مهمل كل الإهمال: الماء فيه يصعد إلى فوق. والمعلم في مدارسه الرسمية لا يحسن القراءة والكتابة. ومنكوبو الحروب التي إنتابته يتضورون جوعاً، بينما القصور تبنى وتنفق عليها أموال، لو صـرف بعضها لكان الماء ينزل إلى تحت، والمعلم يحسن القراءة والكتابة، والمنكوبون ينالون بعض تعويضاتهم».

لقد نوّه بعض الزملاء في هذا الكتاب بمعظم إبداعات المطران بولس الخوري. وكي لا أكرر ما كتبوه عنه، أنوه بلون أدبي لم يتناولوه عنده، هو القول المأثور، والذي أؤثر تسميته بـ (اللمعة).

فردّاً على محاولات الأمم الغربية الإستعمارية الهيمنة على الأمم الشـرقية عبر طوائفها، أكد المطران المشـرقي في إحدى لمعاته «لن يستطيع الغرب أن يجعل الطوائف الشـرقية المرتبطة به، غربية، لأنه لن يستطيع أن يجعل الشمس تشـرق من الغرب وتغرب من الشـرق».

بعض الأدباء المبدعين، خصصوا جهداً ووقتاً لهذا اللون الأدبي، أسوة باهتمامهم في كتابة المقالة والقصة والمسـرحية، وفي طليعتهم جبران وأمين الريحاني وسعيد تقي الدين. والبعض الآخر، وأقصد المبدعين، لم يفتحوا ورشة لتأليف لمعة، ولكن نتاجهم في سائر الألوان الأدبية، حفل باللمعات، ومن هؤلاء المطران بولس الخوري.

وعلى سبيل المثال، حين خطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعض الطائرات للتذكير بمأساة الفلسطينيين، استنكر بعض الزملاء عملية الخطف واعتبروها عملاً إرهابياً. ولكن الزميل بولس الخوري أيد الخطف، وبرر تأييده بهذه اللمعة: «إن إختطاف طائرة هو عمل إرهابي. أما إحتلال أراضـي بالقوة، فهو عمل إنساني. تحولوا كلكم إلى طائرات، لأن العدو لم يتغلب عليكم إلا بالطائرات».

وحيث أن الوضع اللبناني الإجتماعي الإقتصادي لا يقل أذى عن الخطر الصهيوني الخارجي المدعوم من (المجتمع الدولي)، ناهيك عن كون الخطرين وجهين لعملة واحدة، فقد رد المطران على الخطر الداخلي بهذه اللمعة «لن يرضى الشعب اللبناني أن يبقى لبنان مزرعة للمستثمرين، وتبقى فيه أقلية تموت من التخمة وأكثرية تموت من الجوع».

وأبدع مطران الصحافة لمعة رداً على موضة فرض العقوبات التي كانت الولايات المتحدة وما زالت تفرضها على أصدقائها قبل خصومها ومنهم لبنان، حيث قال فيها بأسلوبه الساخر «لم أفاجأ بخبر العقوبات التي فرضها ريغان على لبنان، بل سـررت جداً بهذا العمل الرائع لأن أميركا، بفرضها هذه العقوبات، كشفت القناع عن وجهها».

وحفلت كلمة المطران التي ارتجلها خلال حفل تكريمه في جامعة البلمند الأقرب إليه من أي صـرح أكاديمي يوم كان طالباً وأصبح كاهناً ومطراناً، بعدة لمعات، وهذه إحداها «في أول تشـرين الأول 1909 جئت البلمند ممتطياً ظهر فرس. واليوم آتي إليه متكياً على عصاي».

ختاماً لا بد من التنويه بالزميل إبراهيم الخوري الذي جمع مواد هذا الكتاب وحقّقها وصمّم على إصدارها في كتاب، وقرر أن يهديه لقراء المطران المعجبين بكتاباته من أقربائه وأصدقائه.

صحيح أن الزميل هو إبن أخ مؤلف الكتاب. ولكن قلّة من أنسباء الأدباء يهتمون بنبش كتاباتهم وتحقيقها وطبعها وإهدائها.

 

مقال عن الكتاب  في عنوان “سلام في الداخل ومواجهة للخارج”

 حليم رزوق

هذه هي الخلاصة الاهم التي يمكن لقارئ كتاب سيادة المطران الجليل بولس الخوري متروبوليت مرجعيون وراشيا وتوابعهما للروم الارثذوكس، ان يستنتجها. فهو داعية سلام ووئام ومحبة بين اللبنانيين وفي نفس الوقت هو داعية مواجهة ومقاومة للعدو الوجودي.

وفي رأيي ان هذا الامر هو في غاية الاهمية  كشرط اساس لبناء وحدة وطنية حقيقية. اذ هو يؤكد على حل جميع الاشكالات الداخلية بين ابناء الوطن الواحد عن طريق الحوار بين جميع الاطراف وتحت سقف الدولة اللبنانية الجامعة. والوحدة الوطنية هي بدورها شرط ضروري لمواجهة الاخطار  الخارجية.

وهكذا يتبين لنا ان سيادة المطران بولس الخوري هو داعية للسلام في الداخل من اجل مواجهة الخارج كشعب واحد موحد. وهو داعية مواجهة للعدو كشعب موحد وكدولة تريد ان تدافع عن ارضها وعن سيادتها على هذه الارض.  وهو الى ذلك علامة فارقة في الجنوب الذي اصبح جزءاً اساس  من ذاكرته كما هو جزء  اساس من كتيسة انطاكية الارثوذكسية.  واراني اليوم محظوظا اذ عشت في زمن هذا المطران الجليل وكان لي الشرف ان التقيه.

وقد كان من المفيد جدا ان بادر كل من الاستاذ ابرهيم خوري كونه ابن اخ سيادة المطران، بالتعاون مع  الاستاذ البحاثة  الراحل جان داية، الى تحقيق هذا الكتاب واعداده كي تطلع الاجيال الجديدة التي لم يتسن لها معاصرة سيادة المطران، على هذه المواقف المساهمة في بناء وحدة وطنية حقيقية. والشكر طبعا للاستاذ سليمان بختي ودار نلسن على نشر الكتاب ووضعه بين ايدي الجمهور المتعطش لرؤية نمط مختلف من رجال الدين.  

لذلك، اعتقد ان قراءة كتاب “المطران بولس الخوري أحداث ومواقف” امر بالغ الاهمية خصوصا للاجيال التي لم تعاصر سيادة المطران. فليس صحيحا ان تاريخ لبنان الحديث يختصر بفئة من “الزعامات”  الطائفية العشائربة الاقطاعية رأت فيه مجالا لتمرير  مصالحها الشخصية على حساب مصلحة الوطن ودائما بالتعاون مع الاجنبي. لأن تاريخ لبنان يزخر بنماذج وطنية مشرفة غلبت مصلحة الوطن العليا على مصالحها الشخصية. وسيادة المطران بولس الخوري هو احد هذه النماذج المشعة نورا وخيرا على محيطها الوطني الكبير.

فالشكر لكل من الاستاذين ابرهيم الخوري وسليمان بختي على جهودهما التي اثمرت انجاز هذا الكتاب المهم. كما لا يسعني الا ذكر  الصديق المرحوم جان داية الذي كان  له دور اساس في تحقيق هذا الكتاب وتقديمه للقارئ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *