يا ورد مين يشتريك

Views: 85

د. جان توما

تزهرُ أيامُ الإنسانِ على الرّغمِ من وجعِ درفِ النوافذ، وزعلِ البحرِ من شواطئه. يأتي فصلُ الربيعِ  إليهِ ألفَ مرّةٍ، مزهوّا، ولا ينتبه إلى ألوانه، كما يأتي أفقُ البحرِ، وهو واقفٌ على رصيفِهِ، فلا يلحظُ غروبَ الشمسِ، ولا يسمعُ عجقةَ الموجِ في انسيابِهِ فجرًا على حصى الشطّ، يغسلُ وجهَها، يخبرُها عن مغامراتِ ليلِ الزوارقِ وأغاني البحارةِ في عتمِ الإبحار.

مشرّعةٌ أوراقُ عمرِ المرءِ في وجهِ الرياحِ، يفرحُ برونقِهِ العابرِ  وينسى ذبولَ الفصولِ الآتية. حسبُ المرءِ أَنّه يعترفُ بما قالته فيروز: “وهديتني وردة، فرجيتا لصحابي، خبّيتا بكتابي،زرعتا عالمخدّة، هديتك مزهرية، لا كنت تداريها، ولا تعتني فيها، تَ ضاعت الهدية”. كم حملت صفحاتُ الكتبِ أوراقَ الوردِ المُهدى يباسًا، لكنه مزهِرٌ للقلبِ، وصامتٌ، لكنّه يبوحُ بألفِ حكاية. كم من الأحلامِ طلعَتْ من تحتِ المِخدةِ حيث الوردةُ في غفوةٍ، وأحلامها في رجفةِ قلبٍ ورعشةِ شريانٍ من لما “و قالوا شلحلي ورد عا تختي، و شباكنا بيعلا”. كم كثرةُ الكلامِ تُضيّعُ المعنى، وتهدرُ المقصود.

غدًا، يرنو الناظر إلى المدى المتّسع فيجد نفسه عطرَ ليلِ يجول في خفايا الزّمن، يستظلُّ كوز صنوبر أو زهر جلنار ورمّان. تحلّق أحلامه من مزهريّة منسيّة في تكايا بيت عتيق, لتصير زوارق، شراعُها من ورقِ الوردِ، ونسيمُها من مساءاتِ الربيعِ، وربّانُها من فوارس الأمنيات، لعلَّ حرَّ الأيامِ تبرّدُهُ جمالاتُ الأحلامِ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *