الكون السوبر خلاّق
حسن عجمي
بالنسبة إلى فلسفة الكون السوبر خلاّق، الكون لا يتبع برامج مُحدَّدة سلفاً بل الكون يُنتِج برامجه. فالكون خلاّق في إنتاج أحداثه المتعدّدة والمتنوّعة ولكنه سوبر خلاّق في إنتاج البرامج التي على ضوئها تنتظم أحداثه. هذا يعني أنَّ الكون لا يتبع قوانين طبيعية مُحدَّدة مُسبَقاً بل الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية. الكون ليس برنامجاً كمبيوترياً محكوماً بتعليمات مُحدَّدة سلفاً. ولكن الكون سوبر خلاّق لكلّ برنامج ممكن وعقلاني وواقعي. هكذا الكون سيد الأحرار فلا تحكمه برامج معيّنة سلفاً. وهكذا أيضاً الكون صيرورة خلق فعّالة. إن كان الكون مُحدَّداً ببرامج مُسبَقة فحينئذٍ تحتاج تلك البرامج إلى برنامج معيّن يُحدِّدها الذي يحتاج بدوره إلى برنامج آخر يحدِّده مما يجعل الكون يقع في سلسلة لامتناهية من عمليات التحديد وهذه استحالة لكونها سلسلة تحديد لا تنتهي. من هنا، لا توجد برامج مُحدَّدة مُسبَقاً للكون مما يتضمن أنَّ الكون ينتج برامجه.
الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية
بما أنَّ الكون يُنتِج برامجه بدلاً من أن يكون محكوماً ببرامج مُحدَّدة سلفاً، وعلماً بأنَّ القوانين الطبيعية برامج على ضوئها ينتظم الكون، إذن الكون يصوغ قوانينه الطبيعية بدلاً من أن يكون محكوماً بقوانين معيّنة مُسبَقاً. مثل ذلك إن تكرّر وجود حَدَث بعد آخر يبرمجه على أنه قانون محتمل. وإن كان الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية ولا توجد قوانين طبيعية مُحدَّدة سلفاً فهذا يتيح للكون أن يُنتِج قوانين طبيعية عديدة ومتنوّعة ومختلفة غير قابلة للاختزال إلى قانون طبيعي واحد فريد (كان من المفترض أن يكون مُحدَّداً مُسبَقاً) أو مجموعة مُحدَّدة من القوانين الطبيعية الفريدة (التي كانت من المفترض أنها مُحدَّدة سلفاً). هكذا تتنبأ فلسفة الكون السوبر خلاّق بتعدّدية القوانين الطبيعية وتنوّعها واختلافها واستحالة اختزالها إلى قانون طبيعي واحد وفريد أو مجموعة مُحدَّدة من القوانين الطبيعية الفريدة. إن صدق هذا التنبؤ، صدقت فلسفة الكون السوبر خلاّق. وإن كذب هذا التنبؤ، كذبت فلسفة الكون السوبر خلاّق. وبذلك من الممكن اختبار فرضية الكون السوبر خلاّق على ضوء التنبؤ السابق مما يجعلها فرضية علمية لكونها قابلة للاختبار. وهذه فضيلة أساسية من فضائل فرضية الكون السوبر خلاّق.
أكوان أخرى وقوانين طبيعية مختلفة
إذا كان الكون ينتج قوانينه الطبيعية، إذن من الممكن أن ينتج قوانين طبيعية مختلفة عما يتبعها حالياً. وبذلك من الممكن للكون أن يتحوّل إلى أكوان أخرى تتبع قوانين طبيعية مختلفة عن قوانينه الحالية. إن صدق هذا التنبؤ الفكري فحينئذٍ لا بدّ من أنَّ الكون قد تحوّل سابقاً إلى أكوان أخرى مختلفة وبذلك لا بدّ من وجود آثار من أكوان أخرى في عالَمنا الذي نحيا فيه. من هنا، إن لم توجد أكوان أو آثار أكوان ممكنة ومختلفة بحقائقها وقوانينها الطبيعية في عالَمنا الواقعي الذي نحيا فيه فحينها فلسفة الكون السوبر خلاّق فلسفة كاذبة. من هذا المنطلق أيضاً، من الممكن اختبار فلسفة الكون السوبر خلاّق من خلال النبوءة المعرفية السابقة مما يجعلها فرضية علمية. وعلى ضوء الاعتبارات السابقة، تتضمن فلسفة الكون السوبر خلاّق أنَّ الأكوان الممكنة الموازية والمختلفة بحقائقها وقوانينها الطبيعية كامنة في عالَمنا الواقعي بدلاً من أن تكون منفصلة عنه مما يتضمن بدوره أنَّ عالَمنا غني بتنوّع أكوانه وحقائقه وقوانينه الطبيعية. هكذا أيضاً عالَمنا سوبر خلاّق من جراء تضمنه وإنتاجه للأكوان الممكنة والمختلفة.
انبثاق من العدم
بالإضافة إلى ذلك، ثمة قوانين طبيعية مختلفة ومتعارضة. والمثل على ذلك التعارض بين قانون حفظ الطاقة وقانون انبثاق الجُسيمات الافتراضية من العدم في نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية. بالنسبة إلى قانون حفظ الطاقة، الطاقة لا تولد من العدم ولا تفنى. ولكن نظرية ميكانيكا الكمّ تؤكِّد على وجود جُسيمات افتراضية تولد من العدم ومن ثمّ تختفي وكأنها لم تكن موجودة أصلاً ويتكرّر انبثاق تلك الجُسيمات الافتراضية من العدم ومِن ثمّ زوالها وهذا يعارض قانون حفظ الطاقة الذي يصرّ على أنَّ الطاقة لا تولد من العدم ولا تفنى. هكذا تتعارض القوانين الطبيعية وتتصارع. الآن، فرضية الكون السوبر خلاّق تنجح في تفسير اختلاف القوانين الطبيعية والتعارض فيما بينها. فبما أنَّ الكون غير محكوم بقوانين طبيعية مُحدَّدة سلفاً، إذن من الممكن للكون أن يُنتِج قوانين طبيعية مختلفة ومتعارضة مما يفسِّر وجود ونشوء قوانين طبيعية متعارضة فيما بينها كقانون حفظ الطاقة وقوانين ميكانيكا الكمّ التي تؤكِّد على وجود جُسيمات افتراضية تعارض قانون حفظ الطاقة السابق. هكذا تكتسب فرضية الكون السوبر خلاّق (التي تقول بأنَّ الكون ليس محكوماً بقوانين طبيعية مُحدَّدة مُسبَقاً وبذلك الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية) فضيلة النجاح في تفسير الاختلاف والتعارض بين القوانين الطبيعية مما يدلّ على صدقها.
***
كما تنجح فرضية الكون السوبر خلاّق في تفسير وجود الثقوب السوداء. فبما أنه لا توجد قوانين طبيعية مُحدَّدة سلفاً بل الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية متى برمج الأحداث (كبرمجة حدوث حَدَث بعد آخر)، إذن من الممكن للكون أن لا يُبرمِج أحداثه فلا يُنتِج قوانين طبيعية في زمكانات معينة وفي تلك الزمكانات تولد الثقوب السوداء المتصفة بابتلاع المعلومات وإفنائها وزوال القوانين الطبيعية فيها. بكلامٍ آخر، الثقوب السوداء نتائج عدم إنتاج الكون للقوانين الطبيعية في زمكانات معينة من جراء عدم برمجته لأيّة أحداث. فالكون يُبرمِج نفسه مما يتضمن إمكانية أن لا يُبرمِج نفسه في زمكانات معينة مما يؤدي بدوره إلى ولادة الثقوب السوداء في تلك الزمكانات.