سجلوا عندكم

قراءة الأب ميشال السغبيني لرواية سحر حيدر “جرح النازفة”

Views: 46

برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، وبدعوة من “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” والدكتورة سحر نبيه حيدر، أُقيمت ندوة حول رواية “جُرح النّازفة” (الصادرة حديثاً عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء) للكاتبة د. سحر حيدر،  في الجامعة الأنطونيّة بعبدا (الحدث) – مبنى إدارة الجامعة، في حضور فعاليّات أدبية وثقافية وتربوية ودينية واجتماعية.

البداية مع النشيد الوطني اللبناني، ثمّ كلمة الأب ميشال السغبيني (رئيس الجامعة الأنطونيّة)، فكلمة  الدكتور علي الصمد (مدير عام وزارة الثقافة)، وكلمة الأديبة ميراي شحاده الحداد (رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء). بعد ذلك كانت مداخلات لـ: الدكتورة والمحلّلة النفسيّة إيلان عيسى، الأديب والشاعر الدكتور سهيل مطر (نائب رئيس جامعة سيدة اللويزة سابقًا)، الدكتورة ريما كرم كرم (رئيسة قسم علم النفس في كلية التربية – الجامعة اللبنانية).

تخلّل الاحتفال، الذي أدارته  الدكتورة سحر حيدر، وقفة تأمليّة مع مشهد من الرواية مع بيرلا روكز.

في الختام، قدّمت د. حيدر للمنتدين، شهادات تقدير عربون شكر لمشاركتهم في  الاحتفال؛ ووقعّت روايتها “جُرح النّازفة”، وكان نخب  المناسبة وأخذت الصور التذكارية.

في ما يلي كلمة الأب ميشال السغبيني، على أن تُنشر الكلمات تباعًا 

***

 

الأب ميشال السغبيني

الله معكم ومساء مبارك للجميع (مع حفظ الألقاب)،

بدايةً، أرحّب بكم فردًا فردًا في الجامعة الأنطونيّة، وأرحّب بشكل خاص بالشاعرة والكاتبة الدكتورة سحر حيدر في بيتها الثاني، هي التي عندما نقرأ دواوينها الشعريّة تُدخلنا في عالم الرواية، وعندما نقرأ قصصها ورواياتها نشعر بشاعريَّتِها المرهفة.

اسمحوا لي أن أعبّر عن فرحي وفخري بما وصلت إليه د. سحر لا على صعيد الخبرة الحياتيّة الروحيّة ومجال العمل وحسب، بل أيضًا على صعيد الإنتاج الأدبيّ. فبعد أن أَنْسَتْنا حالَنا في دواوينها الشعريّة الثلاثة، عادت لتذكّرنا بحالنا في روايتها “أَكتُبُني… حين أَحبَبْتَني”، لتضعنا بمواجهة مع حالنا في الرواية التي تجمَعُنا هذا المساء: “جرح النازفة”. 

تأخذنا هذه الرواية في رحلة إنسانيّة مؤلمة ومؤثّرة، حيث تتشابك فيها خيوط الألم والأمل، وتكشف في طيّاتها عن قوّة الروح الإنسانيّة في مواجهة أصعب الظروف. فهي ليست مجرّدَ رواية بل هي صرخةٌ مدوّيةٌ في وجه الظلم، وقصّةٌ تَروي معاناةَ امرأةٍ تُجسِّد الضعف والهوان من جهة، وقوّةَ الصمود من أجل الحياة من جهة أخرى. إنّ هذا العمل الأدبيّ يلامس القلوب والعقول معًا، ويفتح نوافذ المساءلة لا في مفهوم الرجولة والذكورة وحسب، بل أيضًا في مفهوم الأبوّة والحبّ والإنسانيّة.

 

لم تكتفِ الدكتورة سحر بسرد الأحداث، بل غاصت في أعماق النفس البشريّة، وكشفت عن جوانبها المظلمة والمضيئة. كما أنّها نجحت في تقديم الشخصيّات بواقعيّة وشفافيّة، لا بل بعُريٍ كلّيّ. أعتقد أن قصّة أمل، بطلةِ الرواية، هي حكايةُ الكثيرين منّا، ولكن بظروف ومواقف حياتيّة مختلفة؛ إنّ جرحَها يعكس جرحَ الكثيرين منّا سبّبه لنا الآخرون؛ كما يقول ريموند كارفر (Carver): “أصعبُ ألمٍ، عندما يصابُ الإنسانُ بإنسانٍ آخَر”. كما أنّ النزْفَ المتأتّي من تراكم الكلوم والجراح التي لم تندمل قطّ وتطيب، هو انعكاسٌ لجراح بشريّةٍ تنزف إنسانيّةً. فبدل أن ننزفَ أيّامًا وعمرًا، إنّنا ننزفُ عدلًا ومساواةً وحقوقًا، ننزف حنانًا ورحمةً وحبًّا.

يقول الناقد تيوفيل برغر (Thoré-Burger): “تموت العاهرات، ولا يموت العهر”؛ وتقول أمل: “وصمةُ العُهر تُلازِمُنا… إلّا أنّنا لا نخدع أحدًا ولا نغتصب أحدًا ولا نستغلّ أحدًا” (ص. 135)؛ فالعهر مسلكٌ يتفنّن في ممارسته الكثير من الرجال، ورغم ذلك لا يُنعتوا بصفة: عاهر.

أوَّلُ أولئك كان والدَ أمل، ذاك الذي كان يجب أن يحميَها، ويربّيَها ويبادلَها الحنان، لتُكَوِّن شخصيّةً مستقلّةً قادرةً على القيام بذاتها، قَتَلَها وتركها تعيش لا أن تحيا؛ الفرقُ شاسعٌ بين أن نعيش وأن نحيا. أفْقَدَها حِسّ التمييز؛ لم يعد باستطاعتها أن تميّزَ بين الظلمة والنور، بين رجُل ورجل. إذا تردّدت كانت تنتهي بالقول: “ماذا سيحصَلُ لي؟ أكثر من الذي حصل؟” لقد وُلدَتْ أمل مرّة واحدة وفي مكان محدّد، لكنّها ماتت مرّات عدّة، قُتلت مرارًا وتكرارًا وفي أماكن مختلفة. 

بعد قتْل أخيه، “قال الربّ لقايين: أين هابيل أخوك؟، قال: لا أعلم. أحارس لأخي أنا؟” (تك 4: 9). إنّه السؤالُ عينُه الذي طرحَه أحدُ الكهنة الإيطاليّين على زبائن الفتيات اللواتي كنّا يعملنا مُرغَمَاتٍ على الطرقات في إيطاليا: “أين أختُكَ؟ أين أخواتُك؟ أنتَ أيضًا مسؤولٌ عن هذا النوع الجديد والمكروه من الاستعباد”. لم تكن أمل فقط لعبةً في يد الرجال، بل كانت أيضًا عبدةً لهم. ويستخدم هذا الكاهن الإيطاليّ عينُه آيةً من الإنجيل ليجعلها عنوانًا لأحد كتبِه: “الزواني يسبقونكم إلى الملكوت” (متى 21: 31).

ختامًا، إن “جرح النازفة” هو عملٌ أدبيّ يستحقّ القراءة والتقدير، وأتمنّى أن يجد طريقَه إلى قلوب وعقول القرّاء. تهانينا الحارّة للدكتورة والصديقة سحر حيدر.

أخيرًا، اسمحوا لي أن أستعين بكلمات الممثّل الإيطاليّ الشهير روبيرتو بنيني حيث يقول: “حَذاري أن تجعل المرأة تَبكي، لأن الله يُحصِي دموعها؛ المرأةُ خرجت من ضلع الرجل، من ضلعكَ خرجت، ليس من رِجلكَ كي تدوسها، وليس من رأسك كي تفوقك، ولكن من جنبك كي تكون لك مساوية؛ من تحت الذراع خرجت، كي تحميَها، ومن جانب القلب كي تحبّها”. 

لقاء مبارك للجميع.                                                                                                                                                

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *